نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القبة الذهبية... ترامب يُشعل "سباق التسلح العالمي"! - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 28 مايو 2025 05:04 صباحاً
أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع الإنفاق الدفاعي لبلاده إلى تريليون دولار، بزيادة 13% عنه في الموازنة السابقة، واعتزامه تدشين نظام للدفاع الصاروخي عن الأراضي الأميركية (القبة الذهبية)، يكون قادراً على اعتراض الصواريخ من أي مكان في العالم أو من الفضاء، ما ينذر بسباق تسلح عالمي هائل، بكل تداعياته الخطيرة!
من أبسط تعريفات الإنفاق العسكري، أنه الموارد المالية المخصّصة لتعزيز القوة المسلحة لدولة ما، لمواجهة التهديدات والأخطار، أو حجم الوسائل والقوى التي تنوي استخدامها لذلك. إن "التريليون دولار" الذي تحدث عنه ترامب رقم يصعب استيعابه، خصوصاً أن تقريراً لمعهد استوكهولم الدولى لأبحاث السلام كشف أن العالم يسلح نفسه بأسرع وتيرة منذ الحرب الباردة مع احتدام الصراعات فى أوكرانيا وغزة وتصاعد التوترات من أوروبا إلى آسيا؛ لافتاً إلى أن الإنفاق العالمي على التسلح بلغ 2.718 تريليون دولار عام 2024. احتلت الولايات المتحدة والصين موقع الصدارة وشكلتا معاً نصف إجمال الإنفاق العسكري العالمي، وتلتهما روسيا ثم ألمانيا والهند وبريطانيا. كذلك سجلت دول حلف "الناتو"، مثل بولندا والسويد وهولندا، طفرات في الإنفاق تعكس القلق من روسيا، والتخوف من انسحاب أميركا من التزاماتها حيال أوروبا. أجبرت واشنطن أوروبا على الاعتماد على نفسها بمواجهة روسيا في أوكرانيا، بزيادة المخصصات الدفاعية؛ لتتفرغ لمواجهة بكين. ينزلق التسلح باتجاه جنوب آسيا، مع الاستعدادات الأميركية لمنازلة الصين. أما في الشرق الأوسط، فقد احتلت السعودية المرتبة الأولى في المنطقة والسابعة عالمياً.
الأرقام الفلكية للإنفاق العسكري؛ صرخة مدوية تعكس قلق البشرية، في عالم يحاول شراء الأمان بصوت المدافع؛ فلا نهاية في الأفق لسباق التسلح العالمي، متوسط نصيب الفرد 4.5 دولارات سنوياً للتنمية والسلام، 255 دولاراً للتسلّح؛ مؤشرات تقول إن زيادة القوى الكبرى تسليحها بشكل فائق، بأمل منع الحرب من خلال الردع. تتسلح أوروبا مثلاً، على وقع الهجوم الروسي على أوكرانيا، للجم أطماع موسكو، في ظل تراجع المظلة الأميركية بقيادة ترامب. كذلك في آسيا، تأتي الصين في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في الإنفاق العسكري، وقفزت الهند رابعة، والسعودية سابعة، كما جاءت كوريا الجنوبية واليابان في المرتبتين التاسعة والعاشرة وأستراليا في المرتبة الثالثة عشرة.
تسعى الدول الى تحقيق أمنها، وحماية حدودها ومواردها، في عالم تسوده شريعة الغاب (الحق للأقوى)، لذلك تنفق بسخاء على تجهيز قواتها المسلّحة، بوسائل الدفاع عن نفسها ضد أي خطر محتمل. بعض الأنظمة يستعد عسكرياً لمواجهة أي "خطر داخلي"، قد يأتي من داخل الدولة نفسها، أو أعمال إرهابية؛ فالأمن عنصر رئيس في بقاء الدول، والأمن لا يتحقّق إلا باستخدام القوة ووسائلها المادية من أسلحة وقوات؛ للدفاع أو للردع. تعيش القوى الكبرى - على مر التاريخ - هاجس منع الخصم من إحراز تفوّق نوعي أو كمّي؛ رفع الاتحاد السوفياتي السابق من إنفاقه العسكري ليواجه مبادرة "حرب النجوم" الأميركية؛ ما شكّل بداية النهاية لانهياره الاقتصادي نهاية ثمانينات القرن العشرين، ومن ثم انهياره السياسي والأمني والعسكري، ثم انهار كيان الاتحاد السوفياتي نفسه، إذ تفتت إلى 15 دولة مطلع التسعينات.
وهذا في ذاته برهان عن الدور الذي تلعبه "المجمعات الصناعية العسكرية" في توجيه سياسات القوى الكبرى، ودور مراكز الأبحاث التابعة لها في اختراع بؤر للنزاع أو إشعالها في أرجاء العالم؛ لتأمين استمرار بيع السلاح لأطرافها، فصفقات السلاح مربحة. إن هذه "المجمّعات الصناعية العسكرية" تملك من القوة والنفوذ في بعض الدول الكبرى، بخاصة في الولايات المتحدة، ما يجعلها تؤثر بفعالية في قرارات الحرب والسلام عالمياً.
ولعل هذا ما حذّر منه الرئيس الأميركي الأسبق الجنرال دوايت أيزنهاور ، في خطبة الوداع عام 1961، عندما حذّر شعبه من خطورة نفوذ "المجمع الصناعي العسكري" على سياسة أميركا، إذا كانت تريد أن تكون زعيمة العالم الحر وقائدة له نحو السلام؛ قال أيزنهاور: "إن كل مدفع صنع، وكل بارجة حربية أبحرت، وكل صاروخ أطلق، يعني بالمحصلة النهائية لصوصية وسرقة من أولئك الجائعين الذين لا يجدون غذاءهم، وأولئك الذين يبردون ولا يجدون الثياب التي تكسوهم؛ فالعالم مع السلاح لا ينفق المال فحسب، إنه ينفق عرق عماله، وعبقرية علمائه وآمال أطفاله. وهذه ليست طريقة للحياة بمعناها الحقيقي؛ فتحت ضباب التهديد بالحرب، تصلب الإنسانية فوق صليب من فولاذ"!
لهذا يرى بعضهم أن تجارة السلاح سبب رئيس في انتهاك حقوق الإنسان؛ لأن دولاً تنفق على التسلح أكثر مما تنفق على التنمية الاجتماعية والبنى التحتية والرعاية الصحية لمجتمعاتها، وإذا كان من حق الدول اتخاذ الوسائل اللازمة لضمان أمنها في عالم متقلّب، فإن من حق الشعوب والمجتمعات أن يخضع اقتناء السلاح لمعايير تراعي حاجاتها إلى التنمية والرعاية. يكفي أن تنظر إلى أحوال الشرق الأوسط السعيد، بحروبه ودمائه وآلامه!
0 تعليق