نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأحزاب
تراجع
"التجربة"...
الرابحون
والخاسرون
في
الانتخابات
البلدية - تكنو بلس, اليوم الخميس 29 مايو 2025 10:09 صباحاً
تمامًا كما انطلقت بصورة "مباغتة"، بعدما كان أغلب الظنّ أنّ تأجيلها قاب قوسين أو أدنى، في سيناريو "مُستنسَخ" عن ذلك الذي اعتُمِد لثلاث سنوات متتالية، مرّت الانتخابات البلدية والاختيارية سريعًا، من دون أن "تأخذ حقّها" برأي كثيرين، أو بالحدّ الأدنى، من دون أن تنال الصدى المطلوب، بفعل غياب "الحماسة" التي لطالما طبعتها، ما جعل الكثير من المعارك التي دارت على خطّها "باهتة"، مع تسجيل التزكية معدّلاً قياسيًا ربما يكون غير مسبوق.
ولعلّ ما يُجمِع عليه كلّ المتابعين والمراقبين هو أنّ هذا الاستحقاق كان "استثنائيًا" بأتمّ معنى الكلمة، وفي كلّ تفاصيله، بدءًا من الضبابيّة التي أحاطت به خصوصًا على المستوى اللوجستيّ، والتكهّنات التي رافقته في كلّ محطاته ومراحله، وصولاً إلى التحدّي الأمني الذي فرض نفسه بندًا أول على "أجندته"، في ظلّ الاعتداءات الإسرائيلية التي دخلت على خطّه، وشوّشت على مساره وتحضيراته في أكثر من محطة، وحتى يومه الأخير.
صحيح أنّ اكتمال هذا الاستحقاق، على كامل الأراضي اللبنانية، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، يُعَدّ إنجازًا بحدّ ذاته، بمعزل عن كلّ شيء آخر، إلا أنّ الأكيد أنّ "مراجعة شاملة" للتجربة مطلوبة قبل طيّ صفحتها، وقد لا يكون خافيًا على أحد أنّ العديد من الأحزاب قد بادرت إلى إطلاق هذه المراجعة، ليس فقط بدواعي تقييم التجربة، ولكن أيضًا في سبيل التحضير للاستحقاق النيابي المنتظر العام المقبل، والذي يصفه كثيرون بالمفصليّ.
فمن هم الرابحون والخاسرون في الانتخابات البلدية بمختلف محطّاتها، إن كان هناك من رابحين وخاسرين؟ وما هي الدروس والعِبَر التي يمكن استخلاصها من هذه التجربة، وأيّ رسائل يجب أن يتلقّفها مختلف الأفرقاء منها؟ وكيف يمكن توظيفها، والاستفادة منها، في التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، رغم الفروقات الشاسعة في المقاربات والتكتيكات، وربما التحالفات، ربطًا بطبيعة النظام الانتخابي المختلف؟.
على رأس قائمة الرابحين، يمكن إدراج العهد وحكومته الأولى، ممثّلة بوزارة الداخلية، التي يُنسَب إليها الفضل في تحقيق "الإنجاز"، إن صحّ التعبير، على الرغم من كلّ التحديات والمعوّقات، التي لا تقلّ شأنًا عن تلك التي كان المسؤولون يتلطّون خلفها في السنوات الماضية من أجل التمديد لمجالس بلدية أضحت بمعظمها عاجزة أو مشلولة، أو منحلّة بحكم الأمر الواقع، بل لا مبالغة في القول إنّها كانت أصعب، بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان.
من هنا، يمكن القول إنّ الحكومة "كسبت الرهان" حين أصرّت على إجراء الانتخابات في موعدها، ولو كان مؤجّلاً، كما أنّها نجحت إلى حدّ بعيد في التنظيم، بشهادة منظمات المجتمع المدني المعنيّة بمراقبة الانتخابات، رغم بعض الإخفاقات التي لا يمكن القفز فوقها، خصوصًا على المستوى اللوجستي، وهو ما تجلّى في ضعف الكثير من رؤساء الأقلام وارتباكهم، وكذلك على المستوى الأمني، مع تسجيل بعض الإشكالات، وإن بقيت محدودة.
وقد يكون نجاح الحكومة مُضاعَفًا، ليس لأنّها نجحت في تنظيم انتخابات بفترة قصيرة، باعتبار أنّ مراسيم تشكيلها صدرت منذ أشهر قليلة، ما يعني أنّه كان أمامها أسابيع فقط لتحضير أرضية الانتخابات، ولكن لأنّها نظّمتها على وقع احتقان سياسي وطائفي بلغ ذروته في البلد، وكذلك على وقع توتّر أمني، في ظلّ عدوان إسرائيلي لم ينتهِ فصولاً، وفي ظلّ خروقاتٍ لم تتوقف، بدليل الحزام الناري الذي نفذته إسرائيل قبل يومين فقط من انتخابات الجنوب.
بعيدًا عن التنظيم واللوجستيات، قد تكون "المفارقة" بإدراج الأحزاب السياسية التقليدية، بمجملها، ضمن قائمة "الرابحين" من هذه الانتخابات، رغم التفاوت فيما بينها، إذ استطاعت هذه الأحزاب أن تثبت قوّتها وحيثيّتها، وأن تكرّس زعامتها في مكانٍ ما، بل "احتكارها" للشارع في الكثير من المناطق، على الرغم من المتغيّرات الدراماتيكية الهائلة التي شهدتها البلاد منذ آخر انتخابات بلدية في العام 2016، أي قبل الاحتجاجات الشعبية والانهيار المالي وكلّ ما ترتّب عليه.
وقد تكون تجربة انتخابات بلدية بيروت، التي يصفها الكثيرون بالنافرة والفاقعة، أسطع دليل على ذلك، حيث نجحت الأحزاب الكبرى حتى حين "تكتّلت" مع بعضها البعض، فمناصرو "حزب الله" مثلاً لم يجدوا مشكلة في التصويت للائحة تضمّ "القوات اللبنانية" التي يتّهمونها بالتواطؤ ضدّ المقاومة، تنفيذًا لأجندات خارجية، ومثلهم لم يجد مناصرو "القوات" مشكلة في التصويت للائحة تضم "حزب الله"، الذي يعتبرونه "خارجًا عن الدولة".
وأبعد من بيروت، كرّست الانتخابات البلدية الزعامات "الطائفية" إن صحّ التعبير، فالشارع الشيعي مثلاً، من البقاع إلى الجنوب، مرورًا ببيروت وبعبدا، أكّد وقوفه إلى جانب تحالف "حزب الله" و"حركة أمل"، بل إنّه أظهر "التصاقًا" به أكثر من أيّ وقت مضى، بدليل أنّه "اكتسح" معظم البلدات المحسوبة عليه التي شهدت معارك، باستثناءات قليلة، بل إنّ المقارنة بين أرقام 2016 و2025، تُظهِر أنّ خصومه هم الذين تراجعوا، وليس العكس.
وعلى المستوى المسيحي أيضًا، كرّست الانتخابات نوعًا من "التعدّدية"، وبالحدّ الأدنى "ثنائية" تتقاسم الحيثيّة الشعبيّة، بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، وهو ما ظهر بشكل خاص في معركة زحلة، حيث حقّقت "القوات" انتصارًا مدويًا، وصفه المحسوبون عليها بـ"التسونامي" بعد تفوّقها على جميع خصومها دفعة واحدة، وكذلك في معركة جزين، حيث أعطت "القوات" هدية لـ"التيار"، حين رفعت سقف خطابها، محوّلةً فوزه إلى انتصار كبير.
ويسري الأمر نفسه على سائر الساحات، حيث أكد "الحزب التقدمي الاشتراكي" مثلاً تقدّمه في المناطق الدرزية، من دون منازع حقيقي، فيما كرّس الشارع السنّي "تشتّته" بغياب تيار "المستقبل"، وهو ما أكّد بشكل غير مباشر أنّ الأخير الذي يُعتقَد أنّه سيخوض الاستحقاق الانتخابي النيابي المقبل، لا يزال في الصدارة، علمًا أنّ نسبة الاقتراع المتواضعة في العاصمة وغيرها من المناطق، بدت بحدّ ذاتها "رسالة امتعاض" من الجماهير "الزرقاء".
في مقابل لائحة الرابحين التي تبدو "فضفاضة"، ربما بما يعكس الفرضية اللبنانية الدائمة أنّ "الكلّ رابح"، باعتبار أنّ كلّ فريق يستطيع أن "يفصّل" النتائج على قياسه ليقنع جمهوره بأنّه "المنتصر"، قد تكون الخلاصة الأهمّ من هذه الانتخابات، أنّ المجتمع المدني كان "الخاسر الأكبر"، وبالتحديد تلك القوى المنبثقة منه، أو المحسوبة على ما عُرِف بـ"معسكر التغيير" الذي شهد أوجه في مرحلة ما بعد احتجاجات العام 2019، وصولاً إلى آخر انتخابات نيابية.
ظهر ذلك بشكل واضح في بيروت مثلاً، حيث فشلت لائحة "بيروت مدينتي" في الاقتراب من الأرقام التي حقّقتها في العام 2016، حتى إنّها لم تحلّ في المرتبة الثانية بين اللوائح المتنافسة، كما ظهر في معظم المناطق، التي انقطعت فيها أصوات "التغيير"، وهو ما يعزوه الكثيرون إلى تجربة نواب "التغيير" في البرلمان الحالي، وهي تجربة طبعتها الشعبوية فضلاً عن الخلافات والانقسامات، وهو ما تسبّب بـ"خيبة وإحباط" لدى الجماهير، التي استبشرت بهم خيرًا.
في النهاية، يمكن القول إنّ الدروس والعِبَر التي يمكن استخلاصها من هذه الانتخابات كثيرة، وأولها أنّ معادلات ما بعد انتخابات 2022 قد تغيّرت، وأنّ الأحزاب التقليدية الكبرى استعادت عافيتها إلى حدّ بعيد. لكنّ ذلك قد لا يعني الكثير على مستوى الانتخابات النيابية المقبلة، وإن أعطى مؤشرًا على "نبض الناس"، مؤشر قد يكون على القوى السياسية أخذه بالاعتبار، عندما تحدّد برامجها ومشاريعها، ولكن قبل ذلك، عندما تبلور تحالفاتها وتكتيكاتها!.
0 تعليق