نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
وَهم السلام السريع في أوكرانيا - تكنو بلس, اليوم الاثنين 2 يونيو 2025 05:34 صباحاً
تستمر الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهي الآن في عامها الرابع، في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية. قبل أيامٍ، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن خطط لإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع أوكرانيا، وهو ما يُعد مؤشراً إلى تثبيت المكاسب الإقليمية التي حققتها موسكو وانتقالها من مرحلة العمل العسكري إلى مرحلة التموضع الديبلوماسي.
من جهتها، بقيت المواقف الأوكرانية ثابتة، إذ يرفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التنازل عن سيادة بلاده، ويؤكد أن أي مفاوضات يجب أن تستند إلى استعداد متبادل لم تظهر في شأنه روسيا أي إشارات حتى الآن. هذا الموقف الصارم يعكس ليس فقط تصميماً وطنياً، ولكن أيضاً تضامناً أوروبياً واسعاً مع كييف، تحوّل لدى العديد من الدول الأوروبية إلى التزام دفاعي جماعي.
في المقابل، يبدو نهج الرئيس ترامب في إنهاء الحرب متبايناً مع الواقع بشكل متزايد. بعدما ادعى في حملته الانتخابية أنه يستطيع إنهاء النزاع "خلال 24 ساعة"، يبدو ترامب اليوم غير مبالٍ وغير قادر على التأثير الحقيقي. تقطعت به السبل بين إعجابه ببوتين واستخفافه بزيلينسكي، مما جعل محاولاته للوساطة تبدو غير مؤثرة. وحتى تهديده بفرض عقوبات على صادرات النفط الروسية تم التخلي عنها بصمت بعد مكالمة هاتفية مع بوتين، مما كشف عن حدود نفوذه.
وفيما انتهى استئناف المحادثات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا أخيراً - بوساطة تركيا - بمجرد تبادل للأسرى، من دون تحقيق أي اختراق حقيقي، كررت روسيا مطالبها القصوى: الاعتراف بضم القرم، والحصول على السيطرة الكاملة على المناطق الأربع المحتلة في شرق أوكرانيا وجنوبها، وحظر دائم على انضمام أوكرانيا للناتو. وتواصل كييف رفضها هذه الشروط، مما يضع الطرفين في طريق مسدود، يبدو في مصلحة موسكو.
تبدو استراتيجية الرئيس الروسي واضحة، وهي ترسيخ السيطرة عبر القوة بينما يعيد تشكيل الخطاب حول النصر الروسي المؤكد. ومن خلال الحفاظ على الزخم العسكري ورفض مقترحات وقف النار المنفردة، تحرم روسيا أوكرانيا الفرصة اللازمة لتجميع قواتها وتعزيز معداتها، في محاولة لدفع الجيش الأوكراني نحو التخلي عن المناطق المتبقية تحت سيطرته في الأقاليم الأربعة، وإتمام السيطرة الروسية عليها. ما يسميه بوتين "منطقة عازلة" على الحدود هو في جوهره حدود جديدة فعليّة تهدف إلى الحصول على اعتراف قانوني وسياسي مع الوقت.
هذا الواقع المتغير ترك إدارة ترامب تشعر بالإحباط المتزايد، فضلاً عن أنه يعامل السيادة والوحدة الإقليمية على أنها سلع قابلة للتفاوض، من دون أن يدرك الجذور التاريخية والثقافية العميقة للصراع.
من منظور تاريخي، فإن الحرب في أوكرانيا هي جزء من صراع قديم بين روسيا وأوروبا، صراع يشكله عدم الثقة والطموحات الإمبراطورية والخلافات على الهوية. تعتبر روسيا نفسها قوةً عظمى حرمت الاحترام والمساحة الجيوسياسية، بينما ترى أوروبا روسيا تهديداً وجودياً، فيما أدت توسعات الناتو والاتحاد الأوروبي إلى تفاقم هذا التوتر، ما أدى إلى نشوب صراعات من جورجيا إلى ناغورنو كاراباخ، وأخيراً في أوكرانيا. أما الدول الأوروبية، رغم خلافاتها الداخلية، فتبدو متحدة في اعتقاد واحد: التنازل لأوكرانيا لن يؤدي سوى إلى فتح شهوة التوسع الروسي. لذلك، تواصل هذه الدول دعم أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً، والاستعداد لمستقبل قد تتراجع فيه واشنطن عن دعمها.
وبينما تستمر الحرب، يتلاشى وهم الحل الديبلوماسي السريع. تأمل أوكرانيا وحلفاؤها في الحفاظ على الوضع الحالي حتى يأتي تغيير سياسي في واشنطن يعيد الدعم الأميركي الكامل. ومع ذلك، فإن الانتصار الأوكراني يبدو غير محتمل من دون تحوّلات كبيرة داخل روسيا نفسها.
0 تعليق