وطنٌ… في مهبّ الريح - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
وطنٌ… في مهبّ الريح - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 02:08 مساءً

شرف أبو شرف 
نقيب الأطباء سابقاً

مئة يوم انقضت على انطلاقة العهد الجديد وتشكيل الحكومة الحالية.
حكومة وُصفت بأنها متجانسة وقادرة، نالت ثقة الداخل ونظرات الترحيب من الخارج.
استقبلت العواصم العربية والغربية رئيسها بترحاب، وتجلّت مؤشرات إيجابية توحي بانطلاقة مختلفة.

 

غير أن الناس، وقد أنهكتهم الأزمات، ما زالوا يترقبون ترجمة الوعود إلى أفعال، والإصلاحات إلى واقع.

 

الوعود كثيرة، لكن التحديات أكثر، متجذرة ومتراكمة منذ عقود.

 

ولئن لم يُتوقع من أي حكومة أن تحلّ جميع الأزمات في مئة يوم، تبقى الأسئلة ملحّة وواقعية:

أين أصبحت ودائع الناس؟ وماذا عن الإصلاحات المصرفية العاجلة التي يُفترض أن تُنجز لتجنيب لبنان خطر الانزلاق إلى القوائم السود؟

ما مصير استقلالية القضاء؟ وأين نحن من ضمان سلامة لبنان، وصون سيادته، واستقلال أراضيه؟

 

هل ننتظر انتخابات تشريعية مقبلة لنبدأ الإصلاح؟ أو أن اللحظة تفرض التحرك الآن، بخطى جريئة ومسؤولة، كما فعلت دول أخرى خرجت من الحروب إلى فرص النهوض، واستعادت كرامتها من بين الركام؟

 

الإصلاح لا يبدأ من النصوص وحدها، بل من الإرادة.

 

ولعلّ أولى خطوات الإنقاذ تكمن في إصلاح داخلي داخل المؤسسة التشريعية نفسها، لإعادة صياغة المشروع اللبناني على أسس جديدة تستعيد ثقة الناس والدولة معًا.
كل مشروع إنقاذ وطني مشروط اليوم بالإصلاح الحقيقي، وباستعادة الدولة سيادتها الكاملة، من دون ازدواجية أو استثناء.

 

حتى إعادة إعمار الجنوب التي باتت حاجة ملحة، مرتبطة ببسط سلطة الدولة وحدها، وفق ما أشار إليه رئيس الجمهورية نفسه، وبالتزام القرار 1701 واحترام وقف النار الذي يشكّل ضمانا للاستقرار.

الدول الخليجية، كما المجتمع الدولي، لا تزال تراقب لبنان باهتمام، وتبدي استعدادًا للمساعدة، ولكن بشروط واضحة:

 

استعادة الثقة، وبناء دولة القانون، واستعادة لبنان حريته وسيادته ودوره.
فلا مساعدات من دون إصلاح، ولا انتشال من الانهيار من دون إرادة وطنية موحّدة تنقذ ما تبقّى.

 

علينا أن نعود إلى الجذور، إلى لبنان الذي عرفناه دولة سيدة حرّة، لها مكانتها وهيبتها.
والمطلوب اليوم عمل دؤوب، شجاع، وحذر، لأن الوقت لا يصبّ في مصلحتنا. إن مستقبل الأوطان لا يُبنى على الشعارات، ولا على توازنات هشّة تُدار من خارج حدودها، بل على دولةٍ جامعة، عادلة، قوية، تحتكر وحدها السلاح والقرار، وتجنب البلاد خطر الفوضى والانزلاق إلى المجهول.
لقد دفعنا أثمانًا باهظة حين فوّتنا الفرص، وتركنا السيادة تُنهش، والقرار يتشتّت، والولاءات تتوزّع، والهجرة تتزايد .

 

ولّى زمن الوصاية، وسقطت أقنعة الميليشيات ودورها العسكري. وأثبتت التطورات الأخيرة أن قوة لبنان في وحدته وديبلوماسيته، في مؤسساته، وفي قدرة دولته على احتضان الجميع بعدالة ومساواة.

 

وإني على يقين لا يتزعزع، بأننا شعبٌ قادر، نمتلك من الطاقات البشرية والثروات الطبيعية ما يؤهلنا، بالعلم والعقل والسلام، للنهوض من كبوتنا.

 

إن لبنان، الدولة الصغيرة المتعددة الطوائف، لا يهدّد أحدًا. وضعفه العسكري وحياده النسبي يجعلان منه مكانًا مقبولًا ومحايدًا إقليميًا ودوليًا.

 

أما تنوّعه الطائفي والثقافي فمصدر غنى وتوازن. ولا خلاص لنا، مهما طال الدرب وتشعبت الأزمات، إلا في كنف الدولة اللبنانية الواحدة الموحّدة، دولة القانون والمؤسسات، التي لا تُحتكر فيها القوة، بل تُصان فيها السيادة، وتُحترم الكرامات، وتُعيد بناء الثقة بالحكم. فلنعمل معها، لا عليها. وكل تأخير في الإصلاح، أو تساهل في المسلمات الوطنية، هو تقويضٌ إضافيٌ للسقف الذي يجمعنا، وإذا سقط السقف فلن ينجو أحد من الركام، يسقط الجميع، ويبقى الوطن في مهبّ الريح.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق