نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المعادن الثمينة تتوهج: الفضة والبلاتين في صعود مدوٍٍّ... هل حان وقت الاستثمار؟ - تكنو بلس, اليوم الجمعة 20 يونيو 2025 10:13 صباحاً
كتب محمود جمال سعيد، الباحث الاقتصادي والمتخصص في أسواق المال، لـ"النهار":
في مشهد اقتصادي عالمي يتسم بتقلبات مستمرة وتوقعات متباينة، تعيش أسواق المعادن الثمينة لحظة فارقة من التوهج. هذا الارتفاع اللافت، الذي لم يعد مقتصراً على الذهب فحسب، بل امتد بقوة ليضم الفضة والبلاتين، يثير تساؤلات جوهرية حول العوامل الدافعة لهذا الزخم، وما إذا كان هذا هو التوقيت الأمثل للمستثمرين ليعززوا من انكشافهم على هذه الأصول الثمينة.
أرقام قياسية
من خلال المتابعة الدقيقة للأسواق، يتضح لنا أن الفضة قد سارت على خطى الذهب الصاعدة بقوة في الأسابيع الأخيرة، محققة قفزات ملحوظة دفعتها إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2012. هذا الأداء، لم يكن مجرد صدفة. كما أن البلاتين لم يتخلف عن الركب، مسجلاً أعلى مستوياته منذ عام 2022. هذا الصعود المزدوج ليس مجرد أرقام، بل هو إشارة واضحة إلى تحول جوهري في ديناميكيات السوق، حيث بدأت هذه المعادن، التي طالما اعتبرت "الأشقاء الأصغر" للذهب، في اكتساب مكانة مستقلة مدعومة بعوامل متعددة يجب أن نتوقف عندها.
دوافع الاستثمار
في تحليل معمق، يتبين أن هذا الصعود المزدوج يمكن عزوه إلى مزيج متكامل من العوامل الاقتصادية والفنية وسلوكيات المستثمرين. فمن ناحية، هناك شهية متزايدة للملاذات الآمنة، وهذا أمر طبيعي في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي التي تلف العالم حالياً. المستثمرون يبحثون دوماً عن أصول تحافظ على قيمتها، أو حتى تزداد، في أوقات الاضطراب.
ويبرز في هذا السياق دور التدفقات القوية نحو صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالفضة (ETFs)، حيث شهدت حيازات هذه الصناديق نمواً بنحو 8% منذ شباط/فبراير الماضي. هذا النمو، يعكس اهتماماً متزايداً ليس فقط من المؤسسات، بل أيضاً من المستثمرين الأفراد الذين يعتمدون على الزخم الفني. كما أن الطلب القوي على الفضة المادية في أسواق كالهند يضيف بعداً آخر لهذا الدعم.
لكن الصورة لا تكتمل دون النظر إلى الجانب الصناعي، فالفضة، ليست مجرد معدن ثمين للاستثمار، بل هي عنصر أساسي في قطاعات التكنولوجيا النظيفة، وخاصة صناعة الألواح الشمسية المتنامية عالمياً، وهذا يدعم طلبها المستقبلي بشكل مستدام. أما البلاتين، فيجد دعماً قوياً من تعافي الطلب الصيني، وارتفاع معدلات الإيجار التي تشير إلى شح في المعروض، بالإضافة إلى استخدامه الحيوي في المحولات الحفازة للمركبات والمعدات المخبرية. ومن المتوقع أن يشهد كل من سوق الفضة والبلاتين عجزاً بين العرض والطلب هذا العام، وهو عامل أساسي يدعم الأسعار بقوة.
البلاتين (وكالات)
بصمة الذهب
لا يمكننا تجاهل تأثير السياسات النقدية على أسعار المعادن الثمينة. فالتوقعات بتثبيت أو خفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب، تدعم في الغالب أسعار الذهب والفضة والبلاتين. هذه الأصول، التي لا تدر عوائد مباشرة، تصبح أكثر جاذبية عندما تقل عوائد الأصول الأخرى التي تتأثر بالفائدة.
وعلى صعيد المؤسسات المالية الكبرى، فإن البيانات الصادرة هذا الأسبوع عن استمرار البنوك المركزية، وعلى رأسها البنك المركزي الصيني، في تعزيز احتياطياتها من الذهب للشهر السابع على التوالي (بإضافة 60 ألف أوقية في أيار/مايو)، تبعث إشارة قوية لسوق المعادن الثمينة ككل. هذا التوجه نحو تنويع الاحتياطيات بعيداً عن الدولار الأميركي يعزز الثقة في هذه المعادن كملاذ آمن في ظل تقلبات الأسواق المالية العالمية، ويدعم أسعار الفضة والبلاتين بشكل غير مباشر عبر خلق بيئة إيجابية للمعادن النفيسة بأكملها.
هل الاستثمار الآن خيار حكيم؟
في ما يخص جاذبية الاستثمار في الفضة والبلاتين حالياً، فإن التوقعات تميل إلى الإيجابية المشروطة. ففي حين أن الزخم الحالي قد يحمل المزيد من المكاسب، خصوصاً مع توقعات العجز في المعروض الصناعي ودعم الطلب الاستثماري، إلا أن أي استثمار يتطلب دراسة دقيقة للمخاطر.
البقاء فوق مستوى 35 دولاراً للفضة يعتبر نقطة تحول حاسمة قد تعيد إشعال اهتمام المستثمرين الأفراد بشكل أكبر. كما أن تجدد الطلب على صناديق البلاتين المتداولة في البورصات يمكن أن يغذي الاهتمام المضاربي، نظراً لارتفاع أسعار الإيجار الذي يشير إلى شح في السوق المادية.
إن الاستثمار في هذه المعادن يتطلب فهماً عميقاً للعوامل الاقتصادية الكلية، والتوقعات الصناعية الدقيقة، وتوجهات سياسات البنوك المركزية. فالمعادن الثمينة، ورغم كونها ملاذاً آمناً، تظل أصولاً تتسم بالتقلبات.
بين الفرصة والتحدي
في خضم التطورات الاقتصادية العالمية، الفضة والبلاتين تعيدان تأكيد مكانتهما كأصول ذات قيمة حقيقية. فصعودهما لا يعكس فقط تزايد شهية المستثمرين للملاذات الآمنة، بل أيضاً دورهما المتنامي في الصناعات الحديثة التي تشكل مستقبل الاقتصاد العالمي. وبينما تحمل التوقعات إشارات إيجابية، فإن سوق المعادن الثمينة، كغيره من الأسواق، يظل عرضة للتقلبات.
يبقى السؤال الأهم هو كيف سيتفاعل هذا الصعود مع التحولات الاقتصادية الكبرى، وما إذا كان هذا التوهج سيستمر ليخلق فرصاً استثمارية طويلة الأجل، أم أنه سيشهد تصحيحات حتمية مع تغير الرياح الاقتصادية العالمية. في النهاية، يبقى القرار للمستثمر، ولكن المعطيات الحالية تشير إلى أن المعادن الثمينة تستحق المتابعة الدقيقة.
0 تعليق