قصف فجريّ -. وابتسامة على وجه الخديعة - - -! - تكنو بلس

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قصف فجريّ -. وابتسامة على وجه الخديعة - - -! - تكنو بلس, اليوم الأحد 22 يونيو 2025 07:50 صباحاً

محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية

لم تكن عقارب الساعة قد تجاوزت الفجر بعد، حين قررت واشنطن أن توقظ الشرق الأوسط على أنغام قنابل خارقة للتحصينات. لا موسيقى تصالح، ولا موائد مفاوضات، بل ضربة من العيار الثقيل، صُمّمت بدقة أمريكية، وتُرجمت بلكنة إسرائيلية.

منذ أسابيع، ونحن نتلقى إشارات "دبلوماسية" متناثرة: من جنيف إلى مسقط، مهلة ترامب، وتصريحات ماكرون، وتحذيرات خامنئي، وتهديدات الحوثي، ورسائل عبر قنوات خلفية. كل شيء بدا وكأنه مشهد من فيلم تسوّق له واشنطن باعتباره "احتواء للأزمة"، بينما كان السيناريو الحقيقي يُكتب في غرفة عمليات البنتاجون، ويُخرجه نتنياهو بنسخته الخاصة من نظرية "السلام عبر القوة".

إنه الشرق الأوسط، حيث تبدأ الحروب بعبارات مطمئنة وتنتهي بسحب من الدخان. وبينهما.. .خديعة بحجم قارة.

لم يكن صوت الانفجارات في فوردو وأصفهان ونطنز مجرد ارتجاج في عمق الأرض الإيرانية، بل كان إعلاناً صريحاً عن مرحلة جديدة، اختلطت فيها التحالفات بالمناورات، واختفى فيها الخط الفاصل بين الردع والهجوم، بين السياسة والخديعة. في الظاهر، بدا أن الضربة الأمريكية الأخيرة جاءت كرد فعل محسوب، بعد سلسلة طويلة من التهديدات والتصعيدات المتبادلة، ولكن في العمق، هي ضربة كُتبت ملامحها على مائدة مناورات سياسية وعسكرية تمتد من بحر عُمان إلى جبال الألب.

منذ شهور، لم تهدأ حركة الطائرات الدبلوماسية واللقاءات الغامضة. من جلسة خاصة في مسقط، حيث يلتقي الصمت العماني بالحوار الأمريكي-الإيراني الخلفي، إلى جنيف، حيث اجتمعت الترويكا الأوروبية وكأنها تبحث عن صكّ غفران جديد.في الظل، كانت كل هذه الاجتماعات ليست سوى غطاء لما سيُكشف لاحقًا: الضوء الأخضر الأمريكي لإسرائيل، والضوء الأحمر على البرنامج النووي الإيراني. خُدعت طهران.. .؟ ربما، ولكن الأكيد أن كل الرسائل التي سبقت الضربة كانت ترسم سيناريو سلامٍ مؤجل أو تهدئة مشروطة. حتى مهلة "الأسبوعين" التي منحها ترامب لاتخاذ القرار بدت كأنها فرصة للتراجع، بينما كانت في الواقع عدًّا تنازلياً لضربة مُنسّقة.

وما هو أخطر - من وجهة نظري التحليلية - أن مندوب فرنسا في جنيف كشف خلال اجتماع الترويكا الأوروبية أن الضغط الحقيقي على إيران لم يكن فقط بشأن برنامجها النووي، بل تمثل في طلب غربي واضح بالتخلي عن دعمها العسكري والاستراتيجي لروسيا في الحرب الدائرة في أوكرانيا. وهنا بيت القصيد.فبالنسبة للعواصم الغربية، قد يُساوم على أجهزة الطرد المركزي، لكن ما لا يُساوم عليه اليوم هو انحياز طهران الاستراتيجي لموسكو في واحدة من أخطر حروب القرن. وهذا - في تقديري - أهم بكثير من التخصيب أو النسب المئوية لليورانيوم.

المفارقة أن العملية الأولى، على ما يبدو، لم تكن أمريكية خالصة. فقد تسللت الطائرات الإسرائيلية - أو من ينوب عنها - قبل أيام من الضربة الرسمية، مستفيدة من خريطة سماح لوجستي واستخباراتي أمريكي. تم اختبار دفاعات إيران، وجسّ نبض الحرس الثوري، ورُسمت حدود الرد، فجاءت الضربة الثانية محسوبة ومُقاسة بالمليمتر النووي.

وفي فجر الأحد، دوّت الضربات الأمريكية على ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية، كانت بمثابة اللحظة الفارقة في مسار التصعيد.لم تعد الضربات تُنفّذ بالوكالة أو عبر "أطراف ثالثة"، بل دخلت واشنطن رسميًّا إلى حلبة المواجهة، ما يفتح أبواب الاحتمالات على مصراعيها. وقد طالت القنابل منشأة فوردو المحصّنة داخل جبل في مدينة قم، والتي تُعدّ من أكثر المواقع حساسية في البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى نطنز وأصفهان.

والسؤال الآن: هل نجح نتنياهو فعلاً في جرّ ترامب، الرئيس الشعبوي الطامح للانتخابات، إلى حرب مفتوحة.. ؟ كل التقارير، حتى تلك التي صدرت عن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في مقابلة مع صحيفة "هآرتس"، تحدثت عن "رهان إسرائيلي على طوفان الأقصى" لجرّ واشنطن إلى صراع مباشر.

لكن إلى أين سيصل هذا الصراع.. ؟ هل تردّ طهران باستهداف القواعد الأمريكية في الخليج.. .؟ هل نشهد إغلاقًا لمضيق هرمز وباب المندب.. .؟ أم أن الضربة، رغم شدتها، ستُقابل بضبط النفس الإيراني المعتاد.. .؟ في المقابل، أعلن ترامب بعد الضربة أن "السلام الآن بات ممكناً في المنطقة"، تصريح قد يحمل من التبسيط أكثر مما يحتمل الواقع، أو ربما يمهّد لحوار ما، لكن ذلك ما ستكشفه لنا الساعات والأيام القادمة.

وإذا كانت الضربة تحمل طابعًا عسكريًا، فإن خلفيتها الأعمق تكشف عن تحوّل استراتيجي في موازين الصراع الجيوسياسي في المنطقة. فمنذ سنوات، كانت إيران تتباهى بامتداد نفوذها الإقليمي تحت شعار "جغرافية إيران أكبر من مساحتها"، كما قال وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف. لكن بعد الهزائم المتتالية لحزب الله في الجنوب اللبناني، وتقهقر النظام الموالي لطهران في دمشق، وتحجيم فصائل الحشد الشعبي في العراق، والآن توجيه ضربة مباشرة للمنشآت النووية في العمق الإيراني، يبدو أن هذه المقولة قد سقطت مع أول صاروخ خارق يخترق جبل قم.

في تصريحات نتنياهو المتكررة، تظهر العقيدة الجديدة: "السلام عبر القوة". هذا التعبير الذي بدا ذات يوم عنوانًا لتوازن رعب، أصبح الآن شعارًا لحرب وقائية، قد لا تكون دفاعًا عن النفس بقدر ما هي سباقٌ نحو التدمير قبل التخصيب. في المقابل، بدا ردّ إيران مليئًا بالوعيد، لكنه مشبع بحسابات دقيقة: لا الحرب الشاملة خيار، ولا الصمت التام جائز. إسرائيل، المدعومة الآن علنًا من البيت الأبيض، لم تعد تحارب وحدها، بل تجرّ المنطقة بأكملها إلى حافة الهاوية. أما إيران، فترفع راية "الرد المدمّر"، لكنها تدرك أن الصبر الاستراتيجي لم يعد ورقة رابحة.

فهل كانت الضربة بداية النهاية.. .؟ أم مجرد فصل جديد في مسرحية تتكرر منذ حرب الخليج الأولى.. .؟ المؤكد أن الشرق الأوسط دخل مرحلة جديدة، لا تعرف التهدئة، ولا تحتمل الانفجار الكامل. ربما تنجح واشنطن في تأجيل "القنبلة الإيرانية"، لكن من قال إن القنبلة الحقيقية ليست في العقول والأرواح التي تشتعل كل يوم تحت سماء التهديد.. .؟ وهكذا.. .تواصل إسرائيل القصف، وتتوعد إيران بالرد، وتهتف العواصم ضد الحرب، بينما يجلس العالم على شفير الجنون، يحاول أن يُقنع نفسه أن هذا الجنون.. .عقلاني.. .، !

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية.. ، !!

[email protected]..

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق