نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"الجدّ المجهول في الحكاية والأب الثاني للعائلة" - تكنو بلس, اليوم الاثنين 23 يونيو 2025 10:13 صباحاً
رغيد سيف الدين
في زوايا البيوت القديمة، وبين طيّات الصور المعلّقة على الجدران، يقف الجدّ شامخاً. رجلٌ يحمل في عينيه حكايا الزمن وحنان العمر ويختزن في قلبه تاريخ العائلة، بخيباته وانتصاراته. هو ليس مجرد والد الأب أو الأم، بل في كثير من البيوت كان ولا يزال الأب الثاني أو ربما الأول.
حكايات من الزمن الجميل
في قرى لبنان القديمة وأحيائه، لطالما تكررت صورة الجدّ الحاضر يومياً: يوصل الأحفاد إلى المدرسة، يجلس معهم ليحلّ الواجبات المدرسية، يحكي لهم قصصاً قبل النوم، يطبخ لهم طعاماً تعلمه من جدّته، ويزرع فيهم القيم التي نشأ عليها. بعض الأجداد تولّوا مهمة الأبوة بشكل كامل، إمّا بسبب سفر الأهل أو الطلاق، أو حتى وفاة أحد الوالدين.
هؤلاء لم يشتكوا، بل اعتبروا أن إعادة التجربة، لكن بعيون أكثر حكمة وقلب أكثر سكينة، فرصة نادرة يمنحها الزمن لمن يستحق. في بيوت كثيرة، ينادَى الجد بـ"بابا"، دون حرج أو استغراب، بل بمحبة وامتنان.
دور نفسي واجتماعي لا يُقدّر بثمن
تشير الدراسات النفسية إلى أن وجود الجدّ أو الجدة في حياة الطفل يعزز الإحساس بالأمان والانتماء، ويقلّل من التوتر الأسري، خصوصاً في البيوت التي تشهد ضغوطًا اقتصادية أو اجتماعية. وجود الجدّ كـ"أب ثانٍ" يساعد في بناء توازن نفسي لدى الطفل، ويضيف بُعداً عاطفياً أعمق لعلاقاته الاجتماعية.
الأجداد لا يربّون بالعقاب، بل بالاحتواء بعيداً عن الأحكام. يتمتعون بما يسمى في علم النفس بـ"الحبّ الناضج" وهذا ما يجعلهم مرجعية عاطفية مستقرة للطفل.
في عيد الأب... لمن نهدي الهدية؟
في كثير من البيوت، يحتار الأطفال: هل نحتفل بالأب الذي يسعى وراء لقمة العيش أم بالجدّ الذي يحضّر الفطور، ويروي القصص، وينتظرهم عند باب المدرسة؟ الحقيقة أن كليهما يستحق، لكن الجدّ غالباً ما يُنسى. لا يُذكر اسمه في بطاقات المعايدة، ولا تُكتب له قصائد الامتنان.
في هذا العيد، ربما تكون أجمل هدية التقاط صورة جديدة تضاف إلى ألبوم العائلة، ليبقى حاضراً كما كان دوماً، أو جلسة استماع لحكاية قديمة قد لا تتكرر، أو حتى عناق دافئ يعيد له شعور الأبوة.
الجدّ... الحنان الذي لا يشيخ
الجدّ ليس ظلًّا للأب، بل هو نوره حين يغيب، وسنده حين يتعب، وصوته حين يصمت. هو الأب الثاني الذي علّمنا أن الحنان لا يُقاس بالعمر، وأن التربية ليست مرحلة تنتهي، بل نمط حياة يُعاش بالحب.
في عيد الأب، ألف سلام لهذا الرجل الذي ارتدى عباءة الأبوة من جديد دون أن يُطلب منه، ومشى في دروب الطفولة مرة ثانية، حافي القلب، غنياً بالمشاعر. كل عام وكل جدّ هو الأب الثاني، الأوّل في قلوبنا، بخير وسلام.
0 تعليق