في خطوة مفاجئة قد تعيد تشكيل مسار الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا منذ عام 2022، كشفت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية عن مبادرة روسية لوقف إطلاق النار عند خطوط التماس الحالية. العرض الذي نسبته الصحيفة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نُقل عن ثلاثة مصادر مطلعة حضرت لقاء دبلوماسيًا مهمًا في مدينة سان بطرسبرغ.

تفاصيل العرض الروسي لوقف القتال

أفاد التقرير أن بوتين عبّر للمبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، ممثل الرئيس السابق دونالد ترامب، عن استعداد بلاده لقبول اتفاق سلام يُبقي الوضع العسكري قائمًا كما هو الآن، دون استكمال السيطرة على كامل المناطق الأربع التي ضمتها موسكو جزئيًا في 2022 و2023.

 

 

ويُعتقد أن العرض يتضمن مرونة روسية نسبية في التخلي عن بعض المطالب المتعلقة بالسيادة، وهو ما اعتبره بعض المحللين تغييرًا لافتًا في موقف موسكو، خاصة إذا قُورن بخطابها المتشدد في بداية الحرب.

هل يعكس العرض رغبة في إنهاء الحرب؟

بعض المراقبين يرون في الخطوة محاولة روسية للتهدئة بسبب الضغوط الاقتصادية المتصاعدة، والعقوبات الغربية المستمرة، والاستنزاف العسكري في الجبهات الشرقية والجنوبية. وتشير تقارير إلى أن روسيا تواجه تحديات في تجنيد القوات وتعويض الخسائر، الأمر الذي قد يدفعها لقبول تسوية جزئية تحافظ على مكاسبها دون التصعيد.

أوكرانيا: هل تقبل كييف وقف القتال؟

في المقابل، لم تصدر السلطات الأوكرانية أي تعليق رسمي على المقترح الروسي حتى لحظة كتابة هذا المقال. غير أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سبق وأن أكد مرارًا أن كييف لن تقبل بأي اتفاق لا يشمل استعادة كامل أراضيها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في 2014.

تجدر الإشارة إلى أن المبادرة الروسية – رغم عدم إعلانها رسميًا – قد تكون اختبارًا لنوايا الأطراف الدولية في إعادة إطلاق مسار التفاوض، خصوصًا في ظل تراجع الدعم العسكري الأوروبي لبعض العواصم الكبرى، وانشغال واشنطن باستحقاقاتها الانتخابية.

دوافع روسية محتملة وراء المبادرة

محاولة كسب دعم سياسي من إدارة ترامب المحتملة في حال عودته للرئاسة. رغبة في تجنب العقوبات الأوروبية الإضافية التي قد تفرض بعد الصيف. خفض الخسائر البشرية والعسكرية في ظل تباطؤ التقدم الميداني. تقوية موقف موسكو التفاوضي قبل أية مفاوضات محتملة في الأمم المتحدة أو عبر الوساطة الصينية أو التركية.

السيناريوهات المحتملة بعد العرض

الكرة الآن في ملعب كييف وواشنطن. فإذا قبل الطرف الأوكراني بالعرض الروسي، فقد يؤدي ذلك إلى تهدئة ميدانية تُمهد لاتفاق وقف شامل لإطلاق النار. أما إذا تم رفض المقترح، فقد تواصل موسكو محاولاتها الميدانية لتثبيت سيطرتها على ما تبقى من مناطق خارجة عن قبضتها، ما سيطيل أمد النزاع ويعزز من الكلفة البشرية والسياسية للطرفين.

بالتوازي، تستعد دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا لمؤتمر دولي للسلام في جنيف خلال صيف 2025، وهو ما قد يوفر منصة رسمية لطرح هذا العرض الروسي ومناقشته بجدية.

التغطية الإعلامية والدقة في التحقق

المعلومات التي نشرتها صحيفة Financial Times استندت إلى مصادر غير معلنة رسميًا، لذا يجب التعامل معها بحذر حتى يصدر تأكيد أو نفي رسمي من الأطراف المعنية. إلا أن هذه التسريبات تفتح الباب أمام نقاش واسع حول إمكانيات السلام في واحدة من أكثر الحروب تأثيرًا في القرن الحالي.

عرض الرئيس بوتين لوقف الحرب عند خطوط التماس الحالية قد يكون بداية لتحول جذري في مسار الصراع الأوكراني، لكنه لا يزال محاطًا بشكوك سياسية وتحديات ميدانية. نجاح هذه المبادرة سيتوقف على مدى استعداد الأطراف لتقديم تنازلات، وبناء جسور ثقة في بيئة دولية مضطربة.