نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السرد البصري وأدب الأطفال: شراكة النصّ والصورة في "الشارقة القرائي للطفل" - تكنو بلس, اليوم الجمعة 25 أبريل 2025 08:53 مساءً
في مشهد تتلاقى فيه الخبرات الفنية والتربوية، احتضن مهرجان الشارقة القرائي للطفل 2025 جلسة حوارية ناقشت أثر الرسوم في كتب الأطفال، لا بوصفها زخارف ملوّنة دورها إخراجي تجميلي، بل كمحرّكات سردية وعاطفية تمكّن الطفل من العبور نحو الفهم والتعلّق.
الجلسة، التي جاءت بعنوان "تأثير الكتب المصوّرة على السرد القصصي" ضمن الدورة السادسة عشرة للمهرجان، استضافت أسماءً بارزة في هذا المجال: المخرج والتربوي الإماراتي الدكتور عبد الله الشرهان، مؤسس شركة "أجيال" ومبتكر شخصية "حمدون"، والرسّامة والمؤلفة الفلسطينية براء العاوور، صاحبة رصيد يتجاوز الأربعين كتاباً، والكاتبة والرسّامة راحات كادوجي، الآتية من المملكة المتحدة حاملةً كتابها المترجم إلى لغات عدّة "أنا لستُ مخيفاً".
ما الذي يجعل الطفل يحبّ الكتاب من أول نظرة؟
كان عبد الله الشرهان أول المتحدثين، وسرعان ما أوضح بمنطق الفنان والتربوي أن الكلمة المصوغة بعناية لا تكفي وحدها في التأثير على الطفل، بل تحتاج إلى صورة مكافئة لها في القدرة على الإدهاش والاتصال العاطفي. الصورة بالنسبة إليه تحمل الرسالة بسرعة تفوق الكلمة، وتصل إلى الطفل مباشرة، إلى قلبه لا إلى عقله فقط.
الدكتور عبد الله الشرهان. (هيئة الشارقة للكتاب)
ويرى أن التجارب التفاعلية في كتب الأطفال لم تعد خياراً، بل أصبحت ضرورة لصناعة علاقة طويلة الأمد بين الطفل والكتاب، مشدداً على أنّ الطفل غالباً ما يحكم على الكتاب من اللحظة الأولى: إما أن ينجذب له أو يديره جانباً. وتلك العلاقة، في نظر الشرهان، تبدأ من احترام عقل الطفل وبيئته الثقافية، وتقديم رسائل بصرية نابضة بروح محلية لا تغترب عن الطفل بل تشبهه.
الطفل ليس قارئاً ساذجاً
أما براء العاوور، فذهبت في حديثها إلى جوهر العلاقة بين الرسام والطفل. برأيها، لا يكفي أن تكون الرسوم توضيحاً لما كُتب؛ بل يجب أن تُضيف أبعاداً جديدة للنص، خصوصاً على المستوى العاطفي والوجداني. ففي قاموسها، الطفل قارئ ذكيّ، لا تخدعه الرسوم المصطنعة. هو يشعر بصدق الخطوط وانسجام الألوان، ويستشفّ من الصورة ما قد تعجز عنه الكلمات، وهكذا تصف قدرة الطفل على التفاعل البصري.

المؤلفة والرسامة براء العاوور. (هيئة الشارقة للكتاب)
وتؤكّد أهمية إدراك سيكولوجية الألوان، وفهم عناصر البيئة التي يعيش فيها الطفل، وبذلك، لا يعود الرسم مجرّد ترجمة بصرية، بل أداة سردية فاعلة في بناء القصّة وتشكيل المعنى. وتشير إلى أنّ الكتاب المصوّر يوفّر اليوم فضاءً رحباً للاستكشاف، ما يحتم على الرسام أن يكون شريكاً كاملاً في صياغة النص، لا مجرّد منفّذ له.
الطبيعة مرشد تربوي
في مداخلة اتسمت بالحسّ الشخصي، تحدثت راحات كادوجي عن علاقتها المبكرة بالطبيعة، وكيف شكّلت تلك العلاقة وعيها البصري واهتمامها برسم قصص مستوحاة من العالم الحقيقي. ما زالت تحتفظ حتى اليوم بعادة اصطحاب قلم رصاص وأوراق بيضاء في رحلاتها، ترسم مشاهد الطبيعة كمسوّدات أولى لحكايات مقبلة.

المؤلفة راحات كادوجي. (هيئة الشارقة للكتاب)
تؤمن كادوجي بأن الرسوم ليست فقط مدخلاً للمتعة البصرية، بل وسيلة تعليمية حقيقية. الصور، كما توضح، تعزّز من فهم القصة وتسهم في تطوير مهارات القراءة البصرية، وتقدّم مفردات لغوية وسياقات ثقافية متنوّعة تساعد الطفل على النموّ فكرياً ولغوياً.
الجلسة، التي جمعت بين فنّ الرسم وفنّ الحكي، دلّت بوضوح على أنّ مستقبل كتاب الطفل لا يُصاغ بالحبر وحده، بل بالألوان والخيال والفهم العميق لنفسية القارئ الصغير. الصورة في كتب الأطفال ليست ترفاً فنّياً، بل ضرورة سردية، تبني الجسر بين النصّ وعالم الطفل، وتجعله جزءاً من القصة لا متلقّياً سلبياً لها.
ربما كان السؤال الأهم الذي خرجت به هذه الجلسة هو: كيف نصنع كتباً يرى الطفل نفسه فيها، وتوقظ فيه فضول الاكتشاف وتمنحه شغف العودة إليها مرة بعد مرة؟
0 تعليق