نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ياسين.. بطل البراءة الذي أعاد للأمل مساره - تكنو بلس, اليوم الخميس 1 مايو 2025 10:15 مساءً
قضية ياسين في دمنهور ليست مجرد حادثة، ولا هي مجرد أوراق في ملف القضاء، بل هي اختبار لضمير هذا المجتمع، ودعوة مفتوحة للتأمل في معنى العدالة، وفي جوهر الحياة ذاتها.
طفلٌ بريء، لم يعرف من الدنيا سوى أمانه الصغير، فإذا بهذا الأمان يُغتصَب في المكان الذي يفترض أن يكون له ملاذًا لا مأساة. المدرسة التي كان يجب أن تحتضنه، صارت فجأة ساحة لانتهاك لا يتحمله قلب بشر. فأيُّ قلبٍ هذا الذي سقط من إنسانيته حتى طعن طفلاً؟ وأي عقل هذا الذي تسوّل له أن يختبئ خلف جدران الثقة ليرتكب جريمة لا تُغتفر؟
لكن ياسين، رغم كل هذا، لم يكن مجرد ضحية. لقد كان بطلًا منذ اللحظة الأولى، بطلًا خرج من بين أنقاض الصمت ليقف في وجه العالم. لم يكن مجرد صدى لوجع، بل كان صوتًا نقيًا للحق. لم يكن فقط من جُرِح، بل من أضاء شمعة في ظلمة لا ترحم. جسده صغير، لكن شجاعته كانت بحجم وطن. هو الذي أقام جسرًا بين الألم والكرامة، بين الظلم والمقاومة، بين الصمت والكشف.
أما حكم المحكمة بالمؤبد على الجاني، فهو خطوة في طريقٍ طويلٍ نحو العدالة الحقيقية. لكنه لا يكفي. لأن العدالة لا تكتمل ما لم يُكشف الخلل في منظومة التعليم، والإشراف، والمساءلة. لا يكفي أن يُدان الجاني، بل يجب أن تُدان الثغرات التي سمحت له بالعبور إلى أرواح الأطفال. فما يفعله القاضي هو بداية، لكن ما يجب أن نفعله نحن هو التتمة.
هنا، لا نحتفل بالحكم، بل نحتفل بياسين. بذلك الطفل الذي واجه الظلام ورفض أن يُطفأ، الذي علّمنا أن الألم لا يُلغي الكرامة، وأن الصمت ليس قدرًا إذا قررنا الكلام. لم يكن مجرد متلقي للجرح، بل كان حاملًا للمعنى، ناقلًا للرسالة، باعثًا للأمل من بين الرماد.
وفي هذه المحنة، سطعت أم ياسين. لم تكن فقط أماً مجروحة، بل كانت درعًا من حديد ، رفضت الانكسار، ورفعت رأس ابنها، وقالت: لن يضيع الحق ما دام في القلب حياة. كانت وحدها أمة، وفي صمتها غضب، وفي خطواتها وعيُ كل أمٍّ تخاف على قلبها الصغير من جرح لا يُرى.
وإذا كان ياسين قد وقف، فإن المجتمع لم يقف صامتًا. بل علت الأصوات، وارتفعت النداءات، وخرجت القلوب من بيوتها لتقف مع الطفل، وتقول: نحن هنا. نحن من نطالب بحق كل طفل في أمان، بحق كل أم ألا تبكي في صمت، بحق المدارس أن تعود أماكن للعلم لا للندم. من هذا الوعي خرج محامون شرفاء، تطوعوا للدفاع عن الطفل دون أجر أو طلب، بل بدافع من ضمير حيّ، يؤمن أن العدالة ليست مهنة، بل رسالة وعلى رأسهم المستشار مرتض منصور .
وأخيرًا، يظل ياسين، رغم كل ما مرّ به، شعاعًا في نفقنا المظلم. يعلمنا أن الحق لا يموت، وأن الكرامة لا تُغتال، وأن الأطفال هم المستقبل الذي يجب أن نحميه بكل ما أوتينا من ضمير. ياسين لم يكن مجرد ضحية، بل كان درسًا مفتوحًا في الشجاعة، ومعلمًا صامتًا عن الإنسان حين يتألم، ثم يقف، ثم يمشي من جديد .
0 تعليق