من قرية صغيرة خارج العاصمة القاهرة، بدأ محمد صلاح، يخطو أولى خطواته نحو الساحرة المستديرة، يداعبها بعشق وجنون في شوارع القرية، دون أن يدري أنه سيكون في المستقبل القريب، ليس لاعبا ونجما كبيرا وحسب، بل أسطورة عالمية خالدة، يتغنى باسمه ملايين حول العالم، فمسيرة صلاح، تجسيد حقيقي لمقولة من رحم المعاناة يولد الأمل؛ فبينما كانت الحالة الاجتماعية والمادية لطفل قرية نجريج الصغير، صعبة وشاقة، كانت أحلامه وطموحاته كبيرة تصل عنان السماء.

وفي وقت سابق، قاد محمد صلاح ليفربول، للفوز بالدوري الإنجليزي للمرة العشرين في تاريخه والمرة الثانية خلال 5 سنوات، ليتساوى الريدز مع غريمه مانشيستر يوناتيد في عدد الفوز بألقاب الدوري، متصدرا في الوقت ذاته ترتيب هدافي المسابقة، ويصبح أسطورة حية لمدينة ليفربول، فيما ذكرت تقارير غربية أنه منذ انضمام النجم الدولي المصري إلى الريدز، وساهم في انخفاض جرائم الكراهية والإسلاموفوبيا وتعزيز التماسك الاجتماعي في المدينة الساحلية.

الأمل يولد من رحم المعاناة

ولد محمد صلاح في 15 يونيو عام 1992 في قرية نجريج التابعة لمدينة بسيون في محافظة الغربية، ووقف الحظ حجر عثر أمام التحاق صلاح بجامعة كبيرة، إذ فضل الانضمام إلى معهد اللاسلكي بسبب الظروف المالية الصعبة التي عاشها، كما كان عشقه لكرة القدم، أحد الأسباب التي منعته من الالتحاق بالثانوية العامة في مدينة بسيون، بسبب رغبته في البقاء بالقاهرة للانضمام إلى نادي المقاولون العرب.

بدأت مسيرة محمد صلاح الكروية، في أندية اتحاد بسيون وعثماثون طنطا، قبل أن ينضم ناشئًا إلى نادي المقاولون العرب عام 2006، لتبدأ محطته الأولى في رحلته الإبداعية، وفي 3 مايو عام 2010 شارك كبديل وهو في الثامنة عشر من عمره، في أول مباراة له في الدوري المصري الممتاز أمام نادي المنصورة، ليصبح من بعدها لاعبا أساسيا بالفريق، قبل أن يسجل أول أهدافه في 25 ديسمبر 2010 أمام النادي الأهلي.

جذبت قدرات وسرعة محمد صلاح الفائقة اهتمام وسائل الإعلام، وكان على وشك الانتقال إلى نادي الزمالك قبل الانتقال لصفوف نادي بازل السويسري، قبل أن يعرقِل انتقاله رئيس نادي الزمالك في هذا الوقت ممدوح عباس، معللا رفضه بصغر سنه وقلة خبرته. اتجه محمد صلاح، إلى الاحتراف في أوروبا وانضم لنادي بازل السويسري وتشيلسي الإنجليزي وفيورنتينا وروما الإيطاليين، قبل أن يلتحق بناديه الحالي ليفربول الإنجليزي. 

حقق صلاح مع ناديه الأوروبي الأول بازل العديد من الألقاب، فحصل معه على لقب دوري السوبر السويسري موسم 2012–2013، وجائزة أفضل لاعب في دوري السوبر السويسري لعام 2013، ثم انضم محمد صلاح إلى نادي تشيلسي الإنجليزي وحصل معهم على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز موسم 2014–15 وكذلك كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة 2014–15 ولكنه لم يشارك بصفة أساسية مع الفريق ثم انتقل على سبيل الإعارة لنادي فيورنتينا الإيطالي ثم انتقل إلى نادي روما وشارك معه طوال موسمي 2015–16 و 2016–17 في 83 مباراة أحرز فيها 34 هدفاً.

وفي 2017 انضم لنادي ليفربول بصفقة بلغت 42 مليون يورو بالإضافة إلى 8 ملايين يورو كحوافز. ليصبح حينها أغلى لاعب عربي وأفريقي عبر التاريخ وثاني أغلى لاعب في تاريخ النادي، وحقق معهم موسمًا قويًا للغاية، إذ اختير 3 مرات كلاعب الشهر في الدوري الإنجليزي، ونجح في تسجيل 44 هدفًا خلال موسم واحد ليصبح أحد أكبر هدافي الفريق من حيث عدد الأهداف في موسم واحد.

صلاح يقود الريدز للقب الـ 20

قبل أيام، كتب محمد صلاح فصلا جديدا، هو الأجمل في مسيرته مع ليفربول الإنجليزي منذ انضمامه خلال فترة الانتقالات الصيفية لعام 2017 قادمًا من روما الإيطالي، بعدما قاد الريدز، لاعتلاء منصة التتويج ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز «البريميرليج» للمرة الـ20 في تاريخه، ليعادل رقم مانشستر يونايتد القياسي بعدد مرات التتويج باللقب، في موسم حافل بغزارة الأهداف وتحقيق الأرقام القياسية، قد يتوج على أثره بالعديد من الجوائز الفردية خلال الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة.

وبعد موسم لم يكن مثاليًا للنجم المصري وإصابة مؤلمة في أوتار الركبة تعرض لها خلال مشاركته في بطولة كأس أمم إفريقيا مع منتخب مصر، عاد محمد صلاح ليثبت من جديد أنه أحد أفضل من ارتدوا قميص ليفربول، ونجح في قيادة «الريدز» للحصول على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز في واحدة من أفضل المواسم الفردية للاعبي «البريميرليج» على مر التاريخ. 

محمد صلاح الذي يؤكد يوم بعد يوم أنه ليس مجرد نجم عابر في سماء ليفربول أوفى بوعده لجماهير «الريدز»، الذي قطعه الموسم الماضي بأن يكون الموسم الحالي مختلفًا بعد خروج الفريق الموسم الماضي «خالي الوفاض» ورحيل المدرب الأسطوري يورجن كلوب.

وكتب محمد صلاح عبر حسابه الرسمي بمنصة «إكس» نهاية الموسم الماضي يقول: «نعلم أن الألقاب هي ما تُحسب، وسنفعل كل ما بوسعنا لتحقيق ذلك في الموسم المقبل، جماهيرنا تستحق ذلك، وسنقاتل بكل ما نملك»، وهو الوعد الذي تحقق في نهاية الأمر سواء على الصعيد الجماعي والفردي.

بات محمد صلاح، أيقونة حقيقية لنادي ليفربول، لعب دورًا كبيرًا في تتويج فريقه بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز بعدما لعبت مساهماته التهديفية نقطة تحول في تغيير مجرى العديد من المباريات، وعلى الصعيد الفردي، فيتصدر محمد صلاح قائمة هدافي الدوري الإنجليزي الممتاز «البريميرليج»، كما يتصدر قائمة أفضل صناع الأهداف في المسابقة، بينما ينافس بقوة للفوز بجائزة «الحذاء الذهبي الأوروبي»، التي تمنح لأفضل هداف في دوريات أوروبا، لينجح في إعادة ليفربول إلى منصات التتويج من جديد وهو الهدف الذي وضعه نصب عينيه منذ نهاية الموسم الماضي.

محمد صلاح، أصبح أول لاعب مصرى يتوج بالدورى الإنجليزى الممتاز «البريميرليج» على مدار تاريخ المسابقة، فى حين أصبح ثاني لاعب عربى ينال اللقب «مرتين»، بعد الجزائرى رياض محرز نجم الأهلى السعودى الحالى، الذى حقق الإنجاز ذاته "مرتين" مع ليستر سيتي موسم 2015-2016، ومانشستر سيتي في مرات أخرى.

ويطمح محمد صلاح لتحقيق مزيد من الألقاب والأرقام القياسية مع نادي ليفربول بعدما جدد تعاقده لمدة موسمين، رافضًا كافة العروض المغرية التي تلقاها من أندية الدوري السعودي للمحترفين.

أسطورة مدينة ليفربول

لم يتوقف تأثير محمد صلاح، على الساحة الكروية، فحسب، بل امتد إلهامه وتأثيره الكبير إلى أرجاء مدينة ليفربول الساحلية، إذ أشار عمدة مدينة ليفربول، ستيف روثرام، إلى أن «النجم المصري محمد صلاح قدم بمفرده للمدينة ما لم يستطع أي سياسي أو حكومة أن تقدمه، وهذا إرثه الحقيقي».

وكشف روثرام، في تقرير لصحيفة «الجارديان» حول علاقة محمد صلاح الخاصة بمدينة ليفربول البريطانية، أن صلاح ليس مجرد قدوة في موطنه الجديد، بل يجسد أيضا جانبا من الأسطورة الأوسع لمدينة ليفربول.

وأضاف عمدة مدينة ليفربول: «عليك أن تحاول أن تفهم جوهر ليفربول. فهي ليست كأي مدينة أخرى. إنها مكان يتمتع بروابط وثيقة بين أفراده، وعندما يحتل شخص مثل محمد صلاح مكانة خاصة في قلوب أهل المدينة، بما يتجاوز حدود كرة القدم، فإن ذلك يترك أثرا عميقا. فإذا لم يكن هناك انسجام في القيم، فلن يكون هناك أي ارتباط حقيقي مع الجماهير التي تتابع ليفربول».

وأوضح روثرام، عند سؤاله عن إمكانية إقامة تمثال للنجم محمد صلاح، أنه سيتابع الأمر مع مجلس المدينة لمعرفة ما إذا كان سيتم اتخاذ مثل هذه الخطوة. لكنه شدد في الوقت نفسه على أن ليفربول تكرم بشكل خاص من «يبذلون جهدا إضافيا ويساهمون في خدمة مجتمعهم».

الخامس في قائمة هدافي البريمرليج

على الصعيد الألقاب والإنجازات الفردية، انفرد محمد صلاح، بالمركز الخامس في قائمة الهدافين التاريخيين لبطولة الدوري الإنجليزي، بعد وصوله إلى الهدف رقم 185 وابتعاده بفارق هدف واحد عن المهاجم الأرجنتيني سيرجيو أجويرو لاعب مانشستر سيتي السابق.

وأحرز محمد صلاح هدف فريق ليفربول الرابع في مرمى توتنهام في المباراة التي انتهت بنتيجة 5-1 في قمة منافسات الجولة في الدوري الإنجليزي، وشهدت تتويج الريدز بلقلب الدوري رسميا، الأسبوع الماضي، ليصبح خامس الهدافين التاريخيين في الدوري الإنجليزي الممتاز.

واحتفى نادي ليفربول ببلوغ محمد صلاح قمة أفضل 5 هدافين تاريخيين في الدوري الإنجليزي الممتاز بعد تسجيله هدفًا في مرمى توتنهام، عزز به صدارة ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي 2025 حتى الآن برصيد 28 هدفًا.

بدوره، احتفى الحساب الرسمي، للدوري الإنجليزي، بالدولي المصري محمد صلاح، عقب قيادة فريقه ليفربول للتتويج بلقب البريميرليج الـ 20 في تاريخه. ونشر حساب الدوري الإنجليزي، فيديو لمحمد صلاح وهو بالزي الملكي الفرعوني، في أحد المعابد المصرية، احتفاء بحصده لقب الدوري الإنجليزي الثاني له مع الريدز، وكتب يقول: «الملك يخلد اسمه بين أساطير البريميرليج».