جنبلاط يحمي سوريا من الفتنة فهل ينجح الشرع في امتحانه؟ - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جنبلاط يحمي سوريا من الفتنة فهل ينجح الشرع في امتحانه؟ - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 2 أبريل 2025 07:13 صباحاً

عماد جودية

 بعد أسابيع على تشكيل الرئيس سليم الحص الحكومة الأولى في عهد الرئيس إميل لحود عام 1998، توجه وزير الثقافة والمدير العام للوزارة يومذاك الصديقان الراحلان محمد يوسف بيضون والدكتور محمد ماضي إلى المختارة لزيارة النائب والوزير وليد جنبلاط من أجل تسلم مفاتيح قصر بيت الدين منه بعدما قررت الحكومة إعادة العمل به مقرا صيفيا للرئاسة الأولى.
خلال اللقاء تهجم جنبلاط على لحود وعهده وانتقد بشدة الحص وحكومته لأنه كان يريد توزير عماد جودية، "وهو من قرية صغيرة قربنا"، ليرد الوزير بيضون: "عماد ابن منطقة رأس بيروت وكان سيوزّره الرئيس الحص عن المقعد الأرثوذكسي وليس الدرزي، وقد اعتذر عن عدم قبول التوزير بعد ساعات قليلة على تكليف الرئيس الحص، وكنت حاضرا في منزل دولته عندما اعتذر منه عماد".
سأله جنبلاط عن سبب الاعتذار، فأجابه: "لأن لديه موقفا سلبيا من المشاركة في حكومة نظام مذهبي يعتبره نظاما عنصريا يسمح للبنانيين من طوائف محددة بالوصول إلى الرئاسات ويمنع ذلك عن لبنانيين من طوائف أخرى، وهذه المرة الثالثة يرفض الوزارة". 
علّق جنبلاط: "مش قليل هالشاب، مش بس بيرفض وزارة، بدو يغير نظام كمان".
بعد مغادرتهما المختارة وعودتهما إلى السرايا الحكومية لإبلاغ الرئيس الحص بتسلمهما مفاتيح قصر بيت الدين تمهيدا لتسليمها إلى دوائر القصر الجمهوري، أطلعاه أيضا على أجواء ما قاله زعيم المختارة عن توزيري. فقال لهما الرئيس الحص: "حسنا فعلتما بتوضيحكما الأمر له، فعماد محق في دعوته إلى إصلاح نظامنا المذهبي الذي يؤسس لأزمات وطنية كبيرة بين اللبنانيين كل 10 أو 12 سنة".
وكان الرئيس الحص بعد ساعات قليلة على تكليفه من الرئيس لحود تشكيل الحكومة الأولى في عهده دعانا فورا إلى لقاء في منزله، وكنا ثلاثة: كاتب المقال مع النائبين في كتلته عصام نعمان أطال الله عمره ومحمد يوسف بيضون رحمه الله عليه، وأبلغنا نيته توزيرنا معا، أنا عن المقعد الأرثوذكسي وعصام (الذي هو بفكره وممارساته عابر للطوائف أيضا) عن المقعد الدرزي وبيضون عن المقعد الشيعي، فكان جوابي فورا الاعتذار، وشكرت للرئيس الحص ثقته الكبيرة بي. 
ربطتني بجنبلاط معرفة، لا صداقة شخصية، فقد أجريت معه أثناء عملي الإعلامي في السبعينيات والثمانينيات، قبل تفرغي الكلي للعمل في القطاع المصرفي عام 1990مستشارا للعلاقات العامة لكبريات البنوك اللبنانية، مقابلتين صحافيتين، واحدة لصحيفة "الاتحاد" الإماراتية وأخرى لمجلة "المستقبل" الباريسية، وخلالهما تناولت معه الفطور الصباحي على مائدته في قصر المختارة، وبدا متواضعا ودمث الأخلاق. وكنت أيضا التقيه خلال اجتماعات مجلس الوزراء في مبنى السرايا القديم في الصنائع خلال انعقاد جلسات حكومات الرئيسين رشيد كرامي والحص خلال الحرب الأهلية، بحكم موقعي آنذاك مستشارا سياسيا لهما.
جئت بهذه المقدمة لأقول إنه سواء كنت توافق جنبلاط سياسيا أو تعارضه، لا بد لأي مراقب سياسي أو أعلامي محترم أن "يرفع القبعة" له تقديرا لمواقفه الوطنية والقومية الصحيحة. ففي مقالي اليوم أكمل ما كنت كتبته عنه في مقالي السابق الذي نشرته "النهار" في صفحة "المنبر" في تاريخ ٦/٦/٢٠٢٤ بعنوان: "جنبلاط يبعد الفتنة عن لبنان وينقذ الموارنة منها". فهو بمواقفه السياسية المسؤولة التي أعلنها آنذاك في أعقاب بدء عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وما تلاها من فتح "جبهة الإسناد" في الجنوب، جعل من نفسه "السد المنيع" الذي "أسقط الفتنة" في ظهير الطائفة الشيعية الكريمة ومقاومتها، نتيجة إسقاطه للسقوف العالية التي كانت تصدر من بعض الرؤوس المارونية الحامية، فأنقذ بذلك الموارنة أنفسهم ومعهم سائر مكونات الوطن من "الفتنة" نتيجة التهور السياسي لبعض قادتهم.
ولم يكتف جنبلاط بمواقفه الوطنية المسؤولة وحماية الداخل اللبناني من الفتنة يومذاك، بل استكملها بمواقفه القومية التي شددت على عدالة القضية الفلسطينية بإعلانه أن لا سلام ثابتا وحقيقيا في المنطقة ولا نهاية للصراع العربي - الإسرائيلي إلا بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم عبر إقامة دولتهم العادلة والمشروعة وفق حل الدولتين الذي دعت إليه المبادرة السعودية التي أقرتها قمة بيروت العربية عام 2001. وأفهم جنبلاط القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية بموقفه الواضح هذا أن إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة في دولتهم وحق العودة هو الذي ينهي حروب المنطقة، وأن الدمار والخراب والقتل لن تجلب لإسرائيل ولجيرانها الأمن ولا الأمان، وأن لا قيمة لقوتها العسكرية ولا لحماياتها الأميركية والغربية ما لم تذهب إلى الإقرار بحق الفلسطينيين في وطنهم المشروع.
وبعد إقرار وقف النار في لبنان وغزة وسقوط بشار الأسد ونظامه القمعي في سوريا، كان لجنبلاط أيضا السبق السياسي في محاولة "إنقاذ سوريا" من الفتنة، فسارع قبل غيره إلى زيارة عاصمتها دمشق ولقاء رئيسها الجديد لأنه استشعر بحسه السياسي المسؤول الخطر المحدق بطائفته أولا وبسائر مكونات الشعب السوري ثانيا، من السنة والمسيحيين والأكراد والعلويين والشيعة. فجنبلاط من موقع زعامته الدرزية الكبيرة والأولى في لبنان والمنطقة، والقلق عليها بمستوى قلقه على طائفته ولبنان وسوريا معا، ذهب للقاء أحمد الشرع من أجل تنبيهه من أي تهور أو خطوة غير محسوبة قد يقدم عليها وتكون سببا لاندلاع حرب أهلية هناك تؤسس لبذرة تقسيم سوريا.
فقد أراد جنبلاط من زيارته إفهامه أن الحفاظ على وحدة سوريا ومنع تقسيمها يتوقف على حسن أدائه على رأس الدولة وحسن أداء حكومته بإداراتها العسكرية والأمنية والمدنية والقضائية والديبلوماسية والسياسية والاقتصادية والتربوية مع جميع السوريين على اختلاف مشاربهم الإسلامية والمسيحية. فكما كان الفرنسيون زمن انتدابهم على لبنان يعتبرون جدته نظيرة جنبلاط بشخصيتها القوية وكفاءتها العالية "سيدة لبنان الأولى" التي جعلت من المختارة يومذاك "دارة كل لبنان"، هكذا وليد جنبلاط عند المفاصل التاريخية يعيد المختارة "دارة لبنان والعرب" ويتصرف من موقع "السند السياسي" الحامي والمنقذ من أي مخطط تفتيتي يستهدف لبنان وسوريا والعرب في المنطقة.
فهل ينجح الشرع في امتحان جنبلاط له أم يخذله؟ وهل يتجاوب أيضا مع نداء البطريرك يوحنا العاشر يازجي له الذي وضع الإصبع على الجرح خلال عظته يوم الأحد 9 آذار/مارس 2025 في دمشق عندما خاطبه تعليقا على المجازر التي شهدتها مناطق بانياس واللاذقية واستهدفت عائلات مسيحية وعلوية قائلا له بجرأة المؤمن الحر: "ليس هذا ما وعدتم به السوريين في خطابكم، فتلك المجازر تتنافى ورؤيتنا جميعنا لسوريا الجديدة، التي نريدها دولة لكل أبنائها وليس لفئة منهم.
كذلك كانت محقة نايلة تويني عندما تساءلت في عنوان مقالها الافتتاحي في "النهار" يوم الإثنين في 10 آذار/مارس 2025 : "هل يستجيب الشرع لكلام اليازجي؟" فسوريا كما لبنان، لن تقوم لهما قيامة، إلا بإقرارهما معا "نظامين مدنيين" ديموقراطيين يقومان على "نظام المواطنة" يحفظان بدستورهما السوريين واللبنانيين معا، ليكونوا متساوين بالحقوق والواجبات أمام القانون، لا تفرقة مذهبية وطائفية بينهم، وتعتمد الرئاسات ومراكز الفئة الأولى الأساسية في البلدين على الاكفأ منهم للوصول، إلى أي طائفة انتموا. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق