تعرض ساقية الصاوي مساء غد الأحد في السابعة بقاعة "الحكمة" الفيلم الوثائقي "الوصية"، الذي يُسلط الضوء على حياة أسطورة التلاوة الشيخ محمد رفعت.

الفيلم الذي أنتجته "ميدياتوبيا" بالتعاون مع "سكاي نيوز العربية"، يأتي بعد مرور 75 عامًا على رحيل قيثارة السماء، في حين لا يروي السيرة الذاتية للشيخ فحسب، بل يكشف عن كنوز تاريخية غير مسبوقة، منها 100 أسطوانة نادرة للشيخ محمد رفعت لم تُسمع من قبل.

 دراما وثائقية تكشف "الصندوق الأبيض" لتراث رفعت

يقدم الفيلم (30 دقيقة) قصة الشيخ رفعت عبر سردية مبتكرة وهي حكاية "الابن الروحي" لزكريا باشا مهران - أحد مؤسسي بنك مصر - الذي سجل تلاوات الشيخ سرًّا على أسطوانات باستخدام جهازَي جرامافون استوردهما من ألمانيا

يكشف الفيلم مفاجأة العثور على 100 أسطوانة مجهولة في مخزن مهجور، تحتوي على تلاوات نادرة لم تُسمع من قبل، جرى ترميمها رقميًا في مدينة الإنتاج الإعلامي، إضافة إلى دور عائلة زكريا باشا في إنقاذ تراث الشيخ، حيث تبرعت زوجته "زينب هانم" بالتسجيلات لأبناء رفعت بعد وفاة زوجها.

ويجسد شخصية الشيخ محمد رفعت الفنان محمد فهيم شخصية ، ويشاركه التمثيل  أماني محفوظ، وزينب مبارك، ومحمد فوزي الريس، أما تصميم الأزياء التاريخية من تنفيذ ريم العدل، وماكياج تحويل الممثلين إلى شخصيات تاريخية بواسطة عمرو عبد الله، والموسيقى من  ألحان الدكتور محمد حسني وتزاوج بين الأصالة والحداثة.

ندوة حوارية: لقاء صناع الفيلم والورثة 

تعقب العرض ندوة يديرها الناقد طارق الشناوي، بمشاركة الدكتور محمد سعيد محفوظ (مؤلف ومخرج الفيلم)، والحاجة هناء رفعت (حفيدة الشيخ)، التي كشفت في مقابلة سابقة أن الإذاعة المصرية امتلكت شريطين فقط لرفعت قبل اكتشاف أسطوانات مهران، إضافة إلى ممثل عن الأزهر الشريف وهو الدكتور حسن سيد خليل.

أهمية إنتاج فيلم عن الشيخ محمد رفعت

يحقق فيلم "الوصية" إنجازين: إنقاذ الذاكرة الصوتية بترميم الأسطوانات 15 ساعة من التلاوات المهددة بالاندثار، والكشف عن الجانب الإنساني حين رفض الشيخ رفعت عرضًا بمهرجان الهند مقابل 100 جنيه ذهبي (يساوي مليون جنيه اليوم)، مفضلًا القراءة في مصر بنصف المبلغ، قائلًا: "خادم القرآن لا يُهان ولا يُدان".

ويقول د. محمد سعيد محفوظ (مخرج الفيلم): "بعد 75 عامًا، يطل الشيخ رفعت علينا بصوته الذي لا يشيخ، وشخصيته التي تذكرنا بأن العظمة تكمن في الإيمان والوفاء للقيم".

الاحتفالية ليست مجرد عرض سينمائي، بل إحياء لتراث روحي شكل وجدان مصر والعالم الإسلامي. كما قال الشيخ رفعت يومًا: "إنني أستمع إلى محمد رفعت من فلسطين" عندما سمع تلميذه محمد رشاد الشريف، وهذه الروح هي ما يوثقه الفيلم اليوم.

الشيخ محمد رفعت.. أسطورة لا تتكرر

وُلد الشيخ محمد رفعت في القاهرة في 9 مايو 1882، وفقد بصره في سن الثانية بسبب رمد عُولج بطريقة خاطئة أو -حسب رواية أخرى- "الحسد" كما كان يُشاع آنذاك 6. 

توفي والده وهو في التاسعة، فتحمل مسؤولية أسرة مكونة من أم وأشقاء ثلاثة، ووجد في القرآن ملاذًا ورزقًا. بدأ حفظ القرآن في الخامسة، وأتمه في التاسعة، ثم تولى القراءة في مسجد فاضل باشا بالسيدة زينب عام 1918 وهو في الخامسة عشرة فقط، حيث ذاع صيته حتى أن ترامواي الخط 5 كان يتوقف صباح الجمعة لازدحام المصلين حول المسجد.

إنجازات غيرت تاريخ التلاوة

يعد الشيخ رفعت أول قارئ يفتتح الإذاعة المصرية عام 1934 بتلاوة آية "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا" بعد أن أفتى له شيخ الأزهر بجواز إذاعة القرآن 2. تميز بصوت رخيم جعله يُلقب بـ"قيثارة السماء"، وكان صوته يصل لـ3,000 شخص في الأماكن المفتوحة. عُرف عنه تدبره للآيات، وإتقانه مخارج الحروف، وتجنبه المأكولات الحريفة والتدخين لحماية صوته، كما كان له صالون ثقافي شهير حضره نجوم مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، الذي قال عنه: "صوت تفتحت عليه أذناي، وأحسست فيه بالجلال".