نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الديناميكية الخليجية في العلاقات الاقتصادية والتجارية الخارجية - تكنو بلس, اليوم الأحد 1 يونيو 2025 08:42 صباحاً
تركز نظرية الديناميكا الدولية على فكرة أن العلاقات الدولية هي حركة دائمة ومستمرة بين الدول، وأن علينا متابعة هذه الحركة بشكل يفهم العوامل التي تؤثر على هذه الحركة وتعززها. وترتكز هذه النظرية على الديناميات الاجتماعية والسياسية التي تشكل العلاقات الدولية وتؤثر عليها، وتتضمن العوامل التي تؤثر عليها مثل المصالح، السلطة، الأمن، الحركات الثقافية والدينية، العلاقات الاقتصادية والتجارة. وتعتمد النظرية على فكرة تعدد الأطراف التي تتفاعل وتترابط مع بعضها البعض، وهي تعد إحدى النظريات الحديثة التي تركز على أهمية الديناميكية في العلاقات الدولية.
ومن هنا يمكن القول أن دول مجلس التعاون الخليجي وخلال العقدين الأخيرين قد اتسمت علاقاتها الدولية الخارجية في مختلف المجالات، بالدينامية الحيوية المتحركة والمتجددة والتي تصب في خانة تحقيق مصالحها الاقتصادية والتجارية والمالية، وتخدم مصالح شعوبها وسعياً منها في الوقت عينه الى تحقيق التنويع الاقتصادي بعيداً عن المورد المالي الوحيد المتأتي من انتاج النفط الخام.
فمن العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج والولايات المتحدة، وهي علاقة تاريخية عميقة تعتمد على تبادل النفط والغاز في مقابل البضائع والخدمات، وتعززها الاستثمارات الأميركية ودعم الولايات المتحدة للأمن والاستقرار الإقليميين، والتي تعود بداياتها الى اكتشاف النفط في البحرين عام 1932. ومن ثم العلاقات الديبلوماسية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية عام 1933، لتصبح معها دول الخليج الشريك الأكبر للولايات المتحدة في المنطقة.
الى العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج والصين في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، مع التركيز بشكل أساسي على تبادل النفط والمنتجات النفطية في مقابل السلع الصناعية من الصين. وقد تطورت هذه العلاقات لاحقاً لتشمل استثمارات ومشاريع مشتركة في مختلف القطاعات، مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة.
ولم تكتفِ دول مجلس التعاون بمحدودية تلك العلاقات، بل أدركت جيداً أنها تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة، مما يجعلها مركزاً مهماً في المنطقة والعالم، إذ تقع على شواطئ الخليج العربي، وهي منطقة حيوية للاتصال بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا. وهذه الأهمية الاستراتيجية تعزز من أهمية مجلس التعاون في جوانب عدة. الأهمية الاقتصادية، إذ تمتلك ثروات بترولية هائلة، مما يجعلها من أكبر المنتجين والمصدرين للنفط في العالم. كما أن موقعها يسهل التجارة والنقل، مما يساهم في تعزيز الاقتصاد الإقليمي والعالمي. والأهمية السياسية، إذ يمثل الخليج العربي نقطة اتصال بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، مما يجعله منطقة ذات أهمية سياسية وديبلوماسية عالية، وتلعب دول مجلس التعاون دوراً مهماً في السياسة الإقليمية والعالمية، وتهدف إلى تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة. والأهمية الثقافية، إذ يتمتع الخليج العربي بتاريخ طويل وثقافة غنية، مما يجعله منطقة ذات أهمية ثقافية عالية.
دول مجلس التعاون تعمل على تعزيز الهوية الثقافية المشتركة بين شعوبها، وتهدف إلى الحفاظ على التراث الثقافي. والأهمية الإنسانية، إذ يمثل الخليج العربي منطقة جذب للسكان من جميع أنحاء العالم، مما يجعله منطقة ذات أهمية إنسانية عالية.
خريطة دول الخليج العربي (وكالات)
ومع التطورات التي شهدها العالم خلال العقدين الأخيرين ولا يزال، أدركت دول مجلس التعاون نقطتين مهمتين تتصلان بالتنويع الاقتصادي والديناميكية في العلاقات: النقطة الأولى، ضرورة التنويع في العلاقات الاقتصادية والتجارية مع أكثر من دولة ومجموعة في العالم، من مبدأ أن هناك مصالح مشتركة لها ولغيرها في تأسيس تلك العلاقات. والنقطة الثانية، اقتناع دول المجلس في معظمها بأن تكون متحسبةً لقرب أفول حقبة النفط، والعمل على حماية الموارد المتجددة من التلوث، والحفاظ على الموارد غير المتجددة من النضوب، وأنه ينبغي العمل على إعادة تشكيل اقتصاداتها ووضع الخطط الاستباقية والسعي الجاد نحو التنويع الاقتصادي وموارد الدخل.
وتأسيساً على ما تقدم، شهدت العلاقات الدولية الاقتصادية والتجارية خلال الحقبة الماضية تطورات لافتة تمثلت في استحداث علاقات تجارية واقتصادية مع دول مجموعة "آسيان" بدءاً من عام 2000 ثم 2007، لتصبح دول الخليج الشريك التجاري السابع للمحموعة بحجم تجارة بلغ 130.7 مليار دولار أميركي، والمصدر السادس عشر للاستثمار الأجنبي المباشر بقيمة 390.2 مليون دولار؛ بحيث من المتوقع أن يشهد حجم التبادل التجاري نمواً متوسطه 30%، ليصل إلى 180 مليار دولار أميركي بحلول عام 2032.
وفي موازاة ذلك، تشهد العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى (كازاخستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، وقرغيزستان) تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، مدفوعةً بتحولات جيوسياسية واقتصادية، وسعي كلا الجانبين إلى تنويع شراكاتهما الاستراتيجية.
ومن التطورات التي قد تُعزز العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، مشروع الممر الاقتصادي الهند-الشرق الأوسط-أوروبا الذي يهدف إلى تعزيز التواصل بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا عبر شبكة من الطرق والسكك الحديد وخطوط الشحن. وقد حظي هذا المشروع بدعمٍ رئيسي من الهند والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي. في حال تنفيذه، سيُنشئ هذا الممر طريقاً تجارية مباشرة من الهند عبر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، قبل أن يصل إلى أوروبا عبر اليونان. ومن شأن هذا التطور أن يُحسّن كفاءة التجارة بشكل كبير، ويُخفّض أكلاف النقل، ويُعزّز التعاون الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج.
فدول مجلس التعاون الخليجي تعد قوةً رئيسيةً في الاقتصاد العالمي مع ناتج محلي إجمالي يزيد عن تريليوني دولار أميركي في عام 2022. ووفقاً للبنك الدولي، إذا استمرّ التكتل في النموّ بمساره الحالي، فمن المتوقع أن يصل ناتجه المحلي الإجمالي إلى 6 تريليونات دولار أميركي بحلول عام 2050. تُبيّن هذه الأرقام الإمكانات الاقتصادية لدول الخليج، وتُبرز لماذا ترى العديد من الدول والتكتلات في مجموعة دول الخليج شريكاً تجارياً جاذباً.
لا شك في أن دول مجلس التعاون قد أدركت أن تلك الديناميكية في العلاقات الدولية سوف تمهد لها الطريق للانتقال الى بناء اقتصادات تتسم بالحداثة والتطور من خلال التعاون وتبادل المعلومات في الاقتصاد الرقمي، وفي مجالات مثل الزراعة والأمن الغذائي، وكذلك بناء التعاون في مجال الهيدروكربونات، والطاقة الخضراء والنظيفة والمتجددة، والتقنيات الحديثة، والرعاية الصحية، والتصنيع، والسياحة الثقافية، والتقييس، وتطوير البنية الأساسية المستدامة، والتكنولوجيا المالية والخدمات، مستفيدة من الإمكانات الهائلة للدول المتقدمة وفي الوقت عينه من إمكانات دولها.
*خبير اقتصادي
0 تعليق