نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إيران الباليستية ما بين الوهم و الأحداث الأمنية الخطرة - تكنو بلس, اليوم الاثنين 23 يونيو 2025 11:08 صباحاً
د. رحمه عمر زيتون
تخرج التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية عن مصادر متنوعة سياسية وعسكرية وإعلامية لتحجم من القدرات الصاروخية الباليستية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن الأخيرة تمتلك فقط ما بين 2500 – 4500 صاروخ باليستي بعيد المدى، وأن صمودها في مواجهة الكيان لن يدوم طويلاً، خصوصاً إذا ما استطاعت إسرائيل إقناع الولايات المتحدة الأميركية بالدخول في حرب لأيام قتالية معدودة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية وبعض المنشآت المحصنة التي تحتوي على مخزون صاروخي باليستي.
وبالرغم من محاولة الاستخبارات الإسرائيلية زعزعة البيئة الداخلية والخارجية المؤيدة لإيران بهذه التقارير المزيفة وتقليل من الهيبة العسكرية للحرس الثوري الإيراني، إلا أن وجود 2500- 4500 صاروخ باليستي متوسط وبعيد المدى جاهزة للإطلاق بوجه الكيان الغاصب كما تزعم هذه المصادر يشكل بحد ذاته كارثة وأزمة عسكرية للجيش الإسرائيلي ولحكومة نتنياهو، فأي منظومة دفاع جوي ستصمد أمام هذا الكم الهائل من الصواريخ، وإلى أي مدى قادرة إيران بهذه الصواريخ إطالة أمد الحرب بوجه الكيان الذي يستنفد منذ حرب 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وإذا أردنا ان نتجه أكثر باتجاه معرفة حقيقة القوة الصاروخية الباليستية لإيران فلا بد من قراءة تاريخ الصناعات الصاروخية الباليستية في إيران. فبعد الحرب الإيرانية- العراقية انتهجت إيران إستراتيجية تصنيع الصواريخ الباليستية وفق مسارات أربعة، مسار تطوير الصواريخ قصيرة المدى، مسار تطوير صواريخ باليستية متوسطة وطويلة المدى، مسار تطوير صواريخ جوالة من نوع كروز، وصواريخ قادرة على حمل أقمار صناعية إلى الفضاء الخارجي.
ووفق هذه الاستراتيجية عملت إيران على هذه المسارات بشكل تناسبي مع الأخطار الخارجية المحدقة بها، وكان أكبر خطرين يهددان الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو الكيان الغاصب الذي يبعد عن أراضيها ما يزيد عن 1500 كلم، والقواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في مختلف دول بحر الأبيض المتوسط على مسافات قريبة ومتوسطة منها، لذلك تركزت الصناعات العسكرية الإيرانية على الصواريخ الباليستية متوسطة وطويلة المدى التي بإمكانها الاستجابة لأي حالة عدائية ضدها من هذين الخطرين الحقيقيين.
وفي خضم تقوية إيران حلفاءها في المنطقة وتشكيل حصار صاروخي باليستي على إسرائيل والقواعد الأميركية، نقلت إيران هذه التكنولوجيا إلى اليمن الذي نجح وفق التجارب في تأسيس مدرسة خاصة به في صناعة الصواريخ الباليستية وأصبح يسد حاجته من هذه الأسلحة بتصنيع محلي، أما الحليف الأقوى لإيران في لبنان وهو حزب الله فاستحوذ على مجموعة كبيرة من الصواريخ الباليستية قريبة ومتوسطة المدى التي يمكن أن يحتاجها في قصف عاصمة الكيان الغاصب وما بعدها، وتبين في الحرب الأخيرة أن حزب الله ضرب تل أبيب وضواحيها بصواريخ باليستية من نوع "قادر 1" ولا يزال يحتفظ بمخزون استراتيجي لم تستطع إسرائيل تدميره في الحرب الأخيرة.
بذلك عملت إيران على مدار أكثر من ثلاثين عاماً على صناعة صواريخ باليستية متوسطة وطويلة المدى، والأهم أن الصواريخ التي تصنعها مرنة التطوير والتعديل، إذ أنها قادرة على إسقاط تكنولوجيا الصواريخ الحديثة على الصواريخ القديمة التي كانت قد صنعتها، وهذا أيضاً ما استفاد منه حزب الله اللبناني الذي حول جزءاً من مخزونه من الصواريخ الهجينة إلى صواريخ دقيقة ونقطوية داخل لبنان وفق مشروع الصواريخ الدقيقة الذي أعلن عنه الأمين العام الشهيد السيد حسن نصر الله في عام 2018-2019.
وفي معادلة بسيطة إذا ما استطاعت إيران أن تنتج شهرياً من صواريخها الباليستية متوسطة وبعيدة المدى ما يقارب الخمسين صاروخاً، فإنه في عشر سنوات فقط ستمتلك ما يقارب الستة ألاف صاروخ باليستي، ناهيك عن صناعات الصواريخ الجديدة والمتطورة كالهايبر سونيك وغيرها التي تنفرد في صناعتها منشآت خاصة وفق بروتكولات صناعية تكنولوجية مختلفة.
هنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن للاستخبارات الإسرائيلية تحجيم القدرة الصاروخية البالستية لإيران بما بين 2500-4500 صاروخ باليستي، فإيران التي تهيأت لخوض حروب لسنوات ضد العدو الإسرائيلي وحليفها الأميركي، وهي تطلق حالياً بشكل يومي وسطي 20 صاروخاً باليستياً، فمن المفترض أن مخزونها البالسيتي سينفذ خلال ما يقارب 4-6 أشهر، في حين أن الحقيقة تشيير إلى أن إيران تضاعف يوماً بعد يوم من أعداد الصواريخ البالسيتية التي تطلقها على الكيان، وتشير التقارير المقابلة إلى أن معظم ما أطلقته إلى حد هذه اللحظة من صواريخ هو من مخزونها الإستراتيجي من الصناعات الصاروخية الباليستية التقليدية، وهي تطلق مع هذه الرشقات بعض الصواريخ الجديدة ولكن ليس كل ما هو حديث، وهذا ما تجلى اليوم بإطلاق إيران لأول مرة صاروخ سجيل الذي أعلن عنه عام 2008.
بعد عدة أيام من انطلاق الحرب بدأت إسرائيل تشعر بالخيبة خصوصاً عندما اكتشفت أنها أمام نموذج جديد من حرب تموز عام 2006 ضد حزب الله، ففي الحرب عام 2006 بدأ الحزب تدريجياً استخدام صواريخه الهجينة تناسباً مع المرحلة التي وصلت إليها الحرب، ولا شك أن الحرس الثوري الإيراني يستخدم الإستراتيجية نفسها، ولا زال بجعبته آلاف الصواريخ الباليستية القادرة على شل إسرائيل، فإسرائيل في هذا الظرف تواجه أسلحة صاروخية لا تعلم عنها شيئاً، بل كل ما تعرفه أن دفاعاتها الجوية ستنهار بعد خمسة عشر يوماً إن لم تنقذها الولايات المتحدة الأميركية وتشعل حرباً عالمية ثالثة.
في الخلاصة إن إيران الباليستية لا يمكن حدها بعشرة آلاف صاروخ باليستي متوسط وطويل المدى، والميدان إن إستمرت إسرائيل في المجازفة سيثبت ما سيفعله الباليستي من نسخه المتطورة بإسرائيل الكيان المؤقت إذا ما استمر سياسيوها بشؤم الحسابات الخاطئة ونذير الاستراتيجيات القاصرة عن رؤية أبعد مما خطط له ، فإسرائيل هي من أشعلت هذه الحرب وأوقد نارها، ولكن السؤال الأوحد من سيتحكم بهذه الحرب والسؤال الأخطر من سيُنهي حرباً من هذا النوع؟
المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلام
0 تعليق