ترامب وأميركا تحت الحماية: وهم الازدهار القائم على الرسوم الجمركية - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ترامب وأميركا تحت الحماية: وهم الازدهار القائم على الرسوم الجمركية - تكنو بلس, اليوم الأربعاء 9 أبريل 2025 10:13 صباحاً

كتب جوزيف عازار، أستاذ في جامعة باريس دوفين – PSL، لـ"النهار":

في الثاني من نيسان (أبريل) الماضي، ومن حديقة الورود في البيت الأبيض، أعلن دونالد ترامب ما أسماه بـ"يوم التحرير": سلسلة جديدة من الزيادات الكبيرة في الرسوم الجمركية التي تستهدف مجموعة واسعة من المنتجات الأجنبية، خصوصاً السيارات والصّلب والألمنيوم. وقد جاءت هذه الخطوة، التي كانت صادمة بشكلها ومضمونها، لتُصيب الكونغرس بالذهول. وتبع الإعلان صمت مشوب بالتوتر، قبل أن تتوالى سريعًا الانتقادات، بعضها غير متوقع، حتى من داخل الحزب الجمهوري نفسه. وقد يشكّل هذا الحدث نقطة تحوّل: عودة بعض مظاهر المعارضة، ولو كانت متواضعة، في داخل معسكرٍ بدا مطيعًا إلى حد بعيد لسلطة الرئيس خلال السنوات الماضية.

 

في مشهد احتفالي رسمي، شبّه ترامب الاقتصاد الأميركي بمريض متألم كان بحاجة إلى عملية جراحية. وقال: "العملية انتهت"، ملوّحًا بالرسوم الجمركية كأدوات للشفاء. لكن هذا التشبيه الطبي، الذي كرره كثيرٌ من النواب الجمهوريين بشكل آليّ في الساعات التالية، لم يخفِ مؤشرات أولى على أن "العلاج" قد يكون أكثر تدميرًا من كونه مفيدًا: انهيار كبير في أسواق المال، إنذارات في القطاع الصناعي، تهديدات بتسريحات جماعية، وخطر تضخميّ بات ملموسًا.

 

الاقتصاد الأميركي: مريض وهم؟

يبدو تشخيص الرئيس مفاجئًا، إذ إن أساسيات الاقتصاد الأميركي – رغم بعض مكامن الضعف – كانت لا تزال متماسكة عمومًا: نمو مستمر، بطالة في مستويات تاريخية منخفضة، والسيطرة على التضخم. أما الدين العام، فهو بالفعل ضخم، لكنه تحدٍّ هيكلي لا يمكن معالجته من خلال سياسة جمركية عقابية. لذلك بدأت الانتقادات تُطرح علنًا، حتى داخل الأوساط الجمهورية.

 

وقد لخّص السيناتور عن ولاية تكساس، تيد كروز، هذا التشكيك قائلًا: "الرسوم الجمركية هي ضريبة على المستهلكين. لا أؤيد فرض هذا العبء الإضافي على العائلات الأميركية". أما نائب الرئيس السابق مايك بنس، الذي يترأس اليوم مؤسسة "تعزيز الحرية الأميركية"، فقد وصف هذه الخطوة بأنها "أكبر زيادة ضريبية في زمن السلم في التاريخ الأميركي"، مشيرًا إلى أن كل أسرة أميركية ستتحمل ما يزيد عن 3,500 دولار إضافي سنويًا بسبب هذه السياسة.

 

في الكونغرس نفسه، بدأت ملامح قلق خفيّ تظهر. بعض النواب، الذين كانوا حتى وقت قريب من أشدّ المؤيدين لترامب، باتوا يشعرون بالحرج. الحسابات الانتخابية ليست غائبة عن هذا التحول: مع اقتراب انتخابات منتصف الولاية عام 2026، بدأ الخوف من تداعيات انتخابية يلوح في الأفق.

 

الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يوم التحرير (وكالات)

 

 

شبح الماضي: ماكينلي كنموذج مُساء فهمه

يستشهد ترامب مرارًا بالرئيس ويليام ماكينلي، الذي حكم في نهاية القرن التاسع عشر، ويقدّمه كنموذج للنجاح الاقتصادي القائم على الحماية الجمركية. وبحسب ترامب، فإن ماكينلي جعل أميركا مزدهرة بفضل سياسة جمركية هجومية، بالتوازي مع انتصارات عسكرية، تحديداً ضد إسبانيا.

 

لكن هذه القراءة التاريخية ناقصة في أحسن الأحوال. فعندما كان ماكينلي نائبًا عن ولاية أوهايو، أقرّ في عام 1890 قانونًا جمركيًا رفع متوسط الرسوم إلى قرابة 50%. كانت النتيجة فورية: ارتفاع أسعار السلع، تراجع القدرة الشرائية، وهزيمة قاسية للجمهوريين في الانتخابات في العام ذاته. وتُظهر الوقائع التاريخية أن قانون ماكينلي ساهم في حدوث ركود اقتصادي عام 1893، تميّز ببطالة مرتفعة وتباطؤ حادّ في التجارة.

 

والأهمّ من ذلك أن ماكينلي نفسه غيّر قناعاته في أواخر حياته. ففي خطاب ألقاه في 5 أيلول (سبتمبر) 1901 خلال معرض تجاريّ دوليّ في مدينة بوفالو، قال:  
"الحروب التجارية غير مجدية... الاتفاقيات التجارية المتبادلة تتماشى مع روح العصر".

 

وفي اليوم التالي، اغتيل ماكينلي. كانت تلك كلماته الأخيرة كرئيس للولايات المتحدة. من الصعب تخيّل دونالد ترامب يردد مثل هذه العبارات.

 

تصدعات في داخل الحزب الجمهوري

يبدو أن استحضار ماضٍ مجيد ليس سوى نوع من الأسطورة أكثر منه استراتيجية عقلانية. وهذه الأسطورة بدأت تصطدم بواقع سياسي أكثر تعقيدًا. شخصيات مرموقة من الحزب الجمهوري، مثل السيناتورين ميتش ماكونيل وراند بول، بدأت تخرج عن الخط.

 

ماكونيل، القائد الجمهوري الكلاسيكي والرئيس السابق للأغلبية في مجلس الشيوخ، أشار إلى أن "69 ألف مزرعة عائلية في كنتاكي، ومنتجي البوربون، وصناعات السيارات والتصنيع في الولاية كلها تعتمد على سلاسل الإمداد العالمية"، محذرًا من ارتفاع كلفة الإنتاج، وبالتالي الاستهلاك، الأمر الذي سيصيب العائلات الأميركية بشكل مباشر.

 

أما راند بول، ذو التوجه الليبرتاري، فشدد على المخاطر السياسية للحماية المفرطة قائلاً: "الرسوم الجمركية أدّت أيضًا إلى هزائم انتخابية"، مستشهدًا بسقوط الجمهوريين بعد عام 1890، ودعا إلى الحذر، خاصة في عالم لم تعد فيه الولايات المتحدة قادرة على تحمّل عزلة اقتصادية طويلة.

 

ردّ فعل ثنائي خجول لكنه دالّ

رغم الانقسام السياسي الحاد، بدأت بوادر تعاون عابر للحزبين بالظهور. ففي 3 نيسان/ أبريل، قدّم السيناتور الجمهوري تشاك غراسلي (عن ولاية أيوا) والديمقراطية ماريا كانتويل (عن ولاية واشنطن) مشروع قانون يمنح الكونغرس دورًا أكبر في القرارات الجمركية، حيث يُلزم الرئيس بإبلاغ الكونغرس خلال 48 ساعة بأيّ إجراء جمركي، ويمنحه مهلة 60 يومًا للموافقة عليه. ورغم رمزية النص، فإنه يعكس قلقًا متزايدًا من تركّز السلطة الاقتصادية بيد السلطة التنفيذية.

 

كذلك تم تمرير محاولة مشتركة في مجلس الشيوخ لتعليق الضرائب على الصلب والألمنيوم المستورد من كندا، تحت ذريعة محاربة الفنتانيل، رغم أن فاعليتها القانونية ما زالت محدودة.

 

تصعيد من المعارضة الديمقراطية

على الجانب الديمقراطي، كانت الانتقادات حادّة وواضحة، إذ وصف تشاك شومر، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، القرار الرئاسي بأنه "شذوذ اقتصادي"، مقدّرًا كلفته بأكثر من 5,000 دولار سنويًا للأسرة المتوسطة. أما هاكيم جيفريز، زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب، فقد اتّهم ترامب بـ"افتعال أزمة اقتصادية وركود متعمّد".

 

وبينما التزم بعض التقدميين – مثل بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو كورتيز – الصمت النسبي، رأى آخرون في هذه السياسة فرصة لتأكيد تمايزهم، مشيرين إلى تأثيرها الاجتماعي السلبي وأساسها الإيديولوجي الذي يعتبرونه منقطعًا عن واقع العصر.

 

 مغامرة محفوفة بالمخاطر وتبعات غير مضمونة

من خلال ادّعائه علاج الاقتصاد بصدمة جمركية، يبدو أن ترامب يتجاهل تعقيد الترابطات العالمية. ففي عالم تُبنى فيه سلاسل الإنتاج على التعاون الدولي، فإن بناء جدران اقتصادية كثيرًا ما ينقلب على مَن شيّدها. ومحاولة إعادة توطين الإنتاج بشكل واسع من دون استراتيجية متكاملة أو استثمارات صناعية كافية تبدو أقرب إلى استعراض سياسيّ منها إلى سياسة اقتصادية جادّة.

 

ولن يكون استحضار صورة ويليام ماكينلي المُسطّحة كافيًا لإخفاء الآثار الفعلية لسياسة قد تُثبت أنها ضارّة اقتصاديًا وانتخابيًا على حدّ سواء.

 

وفي وقت تواصل فيه الإدارة الأميركية خطابها القتالي، يحاول جزء من الكونغرس – أحيانًا همسًا وأحيانًا بجرأة – الطعن في شرعية وفاعلية هذه الاستراتيجية التي تستحضر أخطاء ماضٍ اعتقد كثيرون أنه طُوي. والسؤال المطروح الآن: هل سيكون هذا الوعي المتأخّر كافيًا لتعديل مسار قد تكون عواقبه خطيرة على الأسر الأميركية وعلى الاستقرار العالمي؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق