نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تصحيح مسار حركة التاريخ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 29 أبريل 2025 12:37 صباحاً
منذ أن فَجّرَ الاتحاد السوفيتي قنبلته النووية الأولى (١٩ أغسطس ١٩٤٩)، وسلام العالم وأمنه كانا يعتمدان على توازن حساس مرعب ثنائي الإبادة المهلكة، تستحيل معه أن تصل أي قوة عظمى لقناعة استراتيجية بأن تدخل حرباً كونية وتكسبها. بعبارة أخرى: لن تجرؤ أي قوة نووية على شن حرب كبرى غير تقليدية دون أن تكتوي بجحيمها، فقط لأنها تشعر بثقة خادعة تبدو لها مطلقة بأن بإمكانها كسب أي سباق تسلح نووي، يمكنها من شن حرب نووية، وتكسبها.
هذا الخوف، بل الهلع، من إمكانية الاقتراب من تجربة استخدام السلاح النووي، أو حتى التفكير في ذلك، دفع القوى النووية الكبرى، التي تتقاسم الهيمنة الكونية في نظام الحرب الباردة، من تبني عقيدة الضربة النووية الأولى، ليبقى الصراع، ضمن نطاقه الأيديولوجي، على تخوم الحدود الجغرافية لحمى كل قوة نووية عظمى، لا يتجاوزه، مخافة الصدام المباشر بينها.
هذا التقدم التكنولوجي بين قطبي نظام الأمم المتحدة الناجم عن امتلاكهما السلاح النووي صحيح أنه قاد إلى فترة سلام «قسري» بينهما، إلا أنه لم يقد إلى تخفيف التوتر بينهما، رغم تصاعد وتيرة الصراع الأيديولوجي بينهما، بمحاولة كل طرف منهما استقطاب ما لدى كل منهما من حلفاء وأصدقاء، لزيادة نفوذهما الجيوسياسي، على حساب حمى الطرف الآخر الحيوي.
لكن في كل الأحوال، كانت كلٌ من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي يتفاديان، في عهد الحرب الباردة، أي شكل من أشكال الاقتتال المباشر بينهما؛ احتراماً وخشيةً من أن هكذا اصطداماً مباشراً بينهما قد يتطور، بحركته التصعيدية المتبادلة، إلى حرب نووية شاملة، ينتج عنها دمار مهلك شامل، متبادل.
باختصار: عهد الحرب الباردة كانت تسوده حالة من الاستقرار «القسري»، شبيه بحالة اللا سلم واللا حرب. حالة تتوارى خلفها إمكانية اللجوء إلى الصدام المباشر بين القوتين العظميين، مع مواصلة الصراع الأيديولوجي بينهما ورغبة كلٍ منهما التمدد لنفوذهما الاستراتيجي، بطول وعرض كوكب الأرض. إلى أن جاءت اللحظة المنتظرة لعهد الحرب الباردة، بانهيار أحد قطبي نظام الأمم المتحدة، من داخله (الاتحاد السوفييتي)، نهاية ثمانينات القرن العشرين، ليبدأ عهد نظام دولي جديد أحادي القطبية، تتسيد فيه الولايات المتحدة منفردة العالم، بعد ما يزيد على أربعة عقود من عمر نظام الحرب الباردة.
النظام الدولي الجديد، الذي أعقب خروج الاتحاد السوفييتي من ساحة النزال الأممي للاستحواذ على مقدرات النظام الدولي الاستراتيجية، لم يكن نتاجاً لحربٍ أممية، بل لانهيار أحد قطبي نظام المتحدة، من داخله. إلى حدٍ كبير، كان هذا الوضع شبيهاً لما حصل للعهد البريطاني (١٨١٥-١٩١٤)، الذي قاد لنشوب الحرب العالمية الأولى، وقيام ما سمي بعهد عصبة الأمم. في كلا الحالتين، كانت الولايات المتحدة فيهما أسيرةً لثقافة العزلة، مُشِيحَةً بوجهها عن فرصة تقلد قمة الهيمنة الكونية الرفيعة، التي في كلا الحالتين قدمت لها في طبق من فضة، إن لم نقل من ذهب، مرصعٍ بالجواهر والأحجار الكريمة.
ما زهدت فيه الولايات المتحدة في فرصتين تاريخيتين، فترة ما بين الحربين وفترة ما بعد الحربين العظميين، إلى اليوم، يطمع فيه عملاق دولي صاعد جديد، من خارج حلبة الصراع التقليدية (الغربية) على مكانة الهيمنة الكونية الرفيعة. الصين هذه الأيام، ومن خلال ما يدور بينها والولايات المتحدة من حربٍ تجارية، يعكس سلوكها رغبة جدية في مواصلة حالة الصراع إلى ما لا نهاية، من أجل الفوز بمكانة الهيمنة الكونية المتفردة.
العالم قد يشهد بحلول النصف الثاني من هذا القرن الحالي نظاماً دولياً جديداً، من خارج منظومة الحضارة الغربية، التي تعاقبت على الأنظمة الدولية الحديثة، منذ نهاية القرن الخامس عشر، الذي دُشن بالاكتشافات الجغرافية، التي تُوجت باكتشاف العالم الجديد، بين ضفتي المحيطين الأطلسي والهادي. هذه قد تكون إرهاصاً لبعث الروح في ثقافة الشرق العريقة، بعد سبات عميق دام لستة قرون، سادت خلاله ثقافة الغرب (المادية) الحديثة، التي هي أقرب لحركة الصراع منها لقيمة السلام.
هذا التحول المرتقب لبزوغ فجر نظام دولي جديد له قيمه وقوانينه ومؤسساته الأممية، ربما يعكس صحوة تاريخية، تستعيد بها حركة التاريخ مسار تقدمها تجاه حقبة تاريخية جديدة، تصحح من خلالها مسيرتها وتجد فيها ضالتها، بعد أكثر من ستة عقود من الحضارة الغربية (المادية)، التي تخللتها حروب كبرى، سالت فيها دماء غزيرة.. وأحدثت خلالها تحولات حضارية وثقافية جذرية لم تشهدها البشرية، طوال تاريخها، دون أن تنبثق منها حالة سلام حقيقي.. أو حتى حالة استقرار حقيقي، يعكس حالة التوازن الطبيعي، الذي ترعاه العناية الإلهية لعمارة الكون.
أخبار ذات صلة
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : تصحيح مسار حركة التاريخ - تكنو بلس, اليوم الثلاثاء 29 أبريل 2025 12:37 صباحاً
0 تعليق