بعيدًا عن النقاشات البرلمانية "الطائفية"... هل تحقّق اللوائح المقفلة "الإصلاح"؟! - تكنو بلس

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بعيدًا عن النقاشات البرلمانية "الطائفية"... هل تحقّق اللوائح المقفلة "الإصلاح"؟! - تكنو بلس, اليوم السبت 26 أبريل 2025 07:53 صباحاً

صحيح أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري سحل "فتيل" النقاشات الطائفيّة والمذهبيّة التي شهدت عليها الجلسة التشريعية، حين أحال كلّ اقتراحات القوانين لتعديل قانون الانتخابات البلدية، ولا سيما تلك المتعلقة بآلية الانتخاب وتشكيل اللوائح في محافظة بيروت، إلى لجنة "متخصّصة" من أجل الوصول إلى حلّ يحفظ المناصفة، مع مهلة لذلك حتى الثامن من أيار المقبل، أي قبل 10 أيام من موعد الانتخابات المفترضة في بيروت في 18 أيار.

وصحيح أيضًا أنّ رئيس مجلس النواب بقراره هذا، سحب "فتيلاً" آخر، متعلّقًا بإمكانية تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية مرّة أخرى، بعد ثلاث سنوات من التمديد المتكرّر للمجالس البلدية التي بات الكثير منها إما عاجزًا أو مشلولاً، فالتأجيل حصل لما بعد بدء الجولة الأولى من هذه الانتخابات في الرابع من أيار المقبل في محافظة جبل لبنان، ما يطيح بفرضية تأجيل الانتخابات من بوابة "التعقيدات" المرتبطة بمعركة بيروت على وجه التحديد.

لكنّ الصحيح أيضًا أنّ ما جرى فتح نقاشًا واسعًا في البلد، ربما في غير زمانه الصحيح، عشيّة الاستحقاق الانتخابي، نقاش يبدو واضحًا أنّ فكرة الإصلاح الانتخابي تتحوّل معه إلى مجرّد "غطاء" لأفكار طائفية ومذهبية انطلقت في الجلسة التشريعية، مع كلامٍ لم يبقَ محصورًا باللوائح المقفلة التي تراعي التوازن، ولكنه وصل إلى حدّ النقاش بإمكانية تقسيم بيروت إلى دائرتين، واحدة للمسلمين وأخرى للمسيحيين، فضلاً عن "إلغاء" دور المحافظ.

وبقدر ما تثير هذه الاقتراحات حساسّيات طائفية ومذهبيّة، وهي التي نوقشت في قلب برلمان يفترض أن يكون نوابه ممثلين لجميع اللبنانيين، لا لطوائفهم فحسب، بقدر ما تثير نقاشًا واسعًا حول مبدأ الإصلاح الانتخابي في كلّ ذلك، فهل تكون اللوائح المقفلة فعلاً هي الحلّ للهواجس من انتخاب مجلس بلدي "بلون واحد" في بيروت مثلاً؟ وأبعد من ذلك، هل تُعَدّ اللوائح المقفلة بهذا المعنى "إصلاحًا انتخابيًا" فعلاً كما يصوّرها كثيرون؟!.

في المبدأ، لا شكّ أنّ النقاش حول اللوائح المقفلة في بيروت تحديدًا، يجد "مشروعيّته"، إن صحّ التعبير، من المخاوف التي أثيرت في الآونة الأخيرة حول عدم وجود أيّ "ضمانات" في القانون الانتخابي تتيح الوصول إلى مجلس بلدي يحفظ التوازن الطائفي في العاصمة، باعتبار أنّ القانون بحدّ ذاته ليس "طائفيًا"، وهو لا يحدّد في شروطه، "مذهب" أعضاء المجلس البلدي، وطريقة تقسيمهم، كما هو حال قانون الانتخابات النيابية على سبيل المثال.

ومع أنّ هذا القانون لا يُعتمَد للمرّة الأولى، بل هو مطبَّق منذ سنوات طويلة، فإنّ هناك من يرى أنّ مثل هذه "الضمانات" كانت متوافرة بشكل أو بآخر في السابق على المستوى السياسي، من خلال تيار "المستقبل"، سواء في ظلّ رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، أو نجله سعد، إذ كان يعمد إلى تشكيل لوائح "متينة" بمروحة واسعة من التحالفات العابرة للطوائف، ما كان يضمن فوزها "زي ما هيي"، وفق الشعار "الحريريّ" الشهير.

ومع إعلان الحريري مقاطعته للانتخابات البلدية لهذا العام، ترشيحًا وتأييدًا، وإصراره على سريان هذا القرار على العاصمة بيروت، تعزّزت المخاوف والهواجس من أن يؤدّي ذلك، بموجب القانون الانتخابي الأكثري، وما يتيحه من عمليات "تشطيب"، إلى فتح النقاش واسعًا، من أجل البحث عن ضمانات "قانونية"، تفرض أن يحترم المجلس البلدي المنتخَب، "المناصفة" بين المسلمين والمسيحيين، كما كان على الدوام.

ومع تفاوت الأفكار التي طُرِحت في هذا السياق، تصدّرت اللوائح المقفلة النقاش، بمعنى أن يفرض القانون على المرشحين في العاصمة تحديدًا، الانتظام ضمن "لوائح" تراعي هذا التوازن الطائفي والمذهبي، ويفرض على الناخبين أيضًا انتخاب "لوائح" كما هي، من دون تشطيب أو إضافة أسماء، كما يجري عادة في ظلّ النظام الأكثري، ما يؤدي في النهاية إلى فوز اللائحة "زي ما هيي"، إن صحّ التعبير، ما يضمن الحفاظ على المناصفة.

وعلى الرغم من أنّ هذه الفكرة لقيت رواجًا واسعًا، استنادًا إلى الهدف "المتوخّى" منها، وهو الحفاظ على صيغة العيش المشترك في بيروت، بما تنطوي عليه من رمزية وخصوصية، إلا أنّها اصطدمت في الوقت نفسه بالعديد من المحاذير، من بينها عدم إمكانية "تفصيل" أي تعديل قانوني على قياس محافظة واحدة، هي بلدية بيروت في هذه الحالة، ما يعرّضه للطعن، ومن بينها أيضًا فكرة تحويل قانون غير طائفي إلى قانون مذهبي بامتياز.

لكن، أبعد من كلّ هذه النقاشات الطائفية، التي قد تجد الصدى المأمول في بلدٍ كلبنان، لا يزال متمسّكًا بالنظام الطائفي، رغم كلّ الأوهام حول إنهائه، وفق ما نصّ عليه اتفاق الطائف في بنوده غير المطبَّقة حتى الآن، ثمّة سؤال جوهري كبير يُطرَح عن فكرة "اللوائح المقفلة" بحدّ ذاتها، فهل يمكن إدراجها فعلاً في خانة "الإصلاح الانتخابي"، خصوصًا أنّ بعض النواب ذهب بعيدًا في طلب "تعميمها" على كلّ البلديات، من دون استثناء؟!.

بالنسبة للخبراء الانتخابيين، فإنّ الأمر "أبعد ما يكون" عن مبدأ الإصلاحات الانتخابية، بمعزل عن الدوافع والحوافز من اعتماده، حتى لو كان صحيحًا أنّ "اللوائح المقفلة" بصورة عامة تندرج ضمن الإصلاحات، باعتبار أنّها تؤدي إلى الاقتراع لصالح أفكار، أو مشروع، وليس لصالح أفراد، أو أشخاص، وبالتالي فهو يغلّب منطق البرنامج الانتخابي، على حساب الانتماءات العائلة والفئوية، والعلاقات الشخصية بصورة عامة.

إلا أنّ ما يتناساه المروّجون اليوم للوائح المقفلة، وفقًا للخبراء الانتخابيين، هو أنّ النظام المعتمد بموجب القانون البلدي هو "أكثري" وليس "نسبيًا"، ما يفرغ قيمة هذا الإصلاح من مضمونه، بل يؤدّي إلى العكس تمامًا، علمًا أنّ اللوائح المقفلة في ظلّ نظام أكثري قد تشكّل "سابقة" من نوعها، ليس على مستوى لبنان فحسب، بل على مستوى العالم ككلّ، باعتبار أنّ اللوائح المقفلة لطالما تمّ "ربطها" بالأنظمة النسبية بصورة تلقائية.

من هنا، يقول العارفون إنّ اللائحة المقفلة في ظلّ النظام الاكثري، قد تشكّل تراجعًا للخلف على المستوى الإصلاحي، خصوصًا أنّها تحرم المستقلّين من المنافسة، وتحوّل الانتخابات البلدية إلى "محدلة سياسية" إن صحّ التعبير، فضلاً عن دورها في تعزيز دور "الأحزاب الكبرى" التي ستُمنَح فرصة لإحكام قبضتها على المجالس البلدية، مع منع اللوائح الأخرى من أيّ تمثيل، حتى لو كان الفارق بينها صوتًا واحدًا.

يعتقد كثيرون أنّ النقاشات الانتخابية الحاصلة حاليًا، على طريقة "ربع الساعة الأخير" الرائجة لبنانيًا، لن تفضي إلى نتيجة، وأنّ الأمر سيبقى متروكًا في النهاية للتوافقات السياسية على جري العادة. لكنّ الأكيد أنّ النقاشات التي شهدتها الأيام الأخيرة تنطوي على الكثير من الدلالات، ليس على مستوى إصرار الطبقة الحاكمة على النظام الطائفي القائم، ولكن أيضًا، على "الضحك على الذقون" عبر إفراغ الإصلاحات من معانيها، وتحويرها بكلّ بساطة!.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق